في مؤسساتنا العامة، تتصدر قرارات تمديد الخدمة أو الاحالة الى التقاعد المبكر المشهد الاداري بوصفها قرارات مفصلية تحدد مصير موظفين أمضوا سنوات من عمرهم في خدمة الدولة والمجتمع، هذه القرارات في جوهرها، ليست مجرد اجراءات إدارية عابرة، بل تحمل ابعادا نفسية وإنسانية ومهنية عميقة، ولانها كذلك كانت من المفترض أن تبنى على أسس موضوعية عادلة تستند الى الكفاءة والاداء واحتياجات المؤسسة، بعيدا عن الاهواء الشخصية والمجاملات والمحسوبيات ، غير أن الواقع كثيرا ما يكشف عن عكس ذلك ، حيث تتسلل المزاجية الى جوهر القرار الاداري، فيتم تمديد الخدمة لهذا، ويقصى ذاك، دون مبرر سوى القرب من صاحب القرار أو إنسجام مع ميوله.
وفي كثير من الحالات يتم اتخاذ هذه القرارات دون معايير واضحة، فلا توجد مؤشرات اداء معلنة، ولا توجد لجان تقييم نزيهة، الامر الذي يتم بناء على مزاج متقلب أو علاقة شخصية أو توصية دون مراعاة مصلحة المؤسسةأو مستقبل الموظف.

إن التصدي لهذه الظاهرة يتطلب إصلاحا إداريا حقيقيا يبدأ بوضع معايير مهنية دقيقة وواضحة للتمديد او الاحالة الى التقاعد، تعكس أداء الموظف وسلوكه الوظيفي من ناحية، وقيمته المضافة للمؤسسة ومدى الحاجة له من ناحية اخرى مع اعتماد سياسة التدوير والاحلال الوظيفي، لذلك يجب أن تشكل لجان تقييم محايدة وشفافة تتخذ القرار بناء على تقارير موضوعية لا على الانطباعات والعلاقات الشخصية.

إن حماية الموظف من المزاجية ليست ترفا إداريا بل ضرورة لحماية المؤسسة ذاتها، فالعقل المؤسسي الرشيد لا يدار بالرغبات والانفعالات، وإنما بالحكمة، والعدالة والانضباط ، فهل آن الاوان لان ننتصر للكفاءة على حساب المزاجية والهوى؟