في الجامعة الأردنية: الحكمة والجمال تحتفي بجيل التحوّل والمسؤولية
د. محمد القضاة
28-07-2025 01:58 PM
في اللحظةِ التي يعلو فيها نشيدُ الوطن وتخفق القلوب فخرًا بتخريج فوجٍ جديدٍ من أبناء الجامعة الأردنيّة، يتجدُّد الإيمان بأن هذه الجامعة لم تكن يومًا مجرّد مؤسسةٍأكاديمية، بل كانت وما زالت عقل الدولة وضمير الوطن، وراية العلم في سماء الأردنّ، وأمّ الجامعات أوّلًا وأخيرًا.
لقد أثبتت الجامعة الأردنية، على مدار ستين عامًا، أنها أنموذجٌ في الثبات والتميّز والنّجاح، فمنذُ أنشئت وهي تمضي بثقةٍ، تُعلي من شأن العلم والمعرفة، وتصنع أجيالًا من القادة والعلماء والمبدعين، بعيدًا عن الضّجيج، وبمنهجيةٍ تقوم على الإنجاز الحقيقيّ، والتحديث الهادئ، والانتماء العميق.
واليوم، ونحن نحتفل بتخريج الفوج السّتين من أبناء الأردنيّة، لا نحتفي بشهاداتٍ ودرجاتٍ علميّةٍ فقط، بل نحتفي بالمسيرة والجوهر، فقد شهدت الجامعة هذا العام، كما في أعوامها الماضية، نهجًا أكاديميًا متينًا، وإدارةً حكيمةً، ومناخًا علميًا راقيًا، تُوّج بكلمةٍ رصينةٍ ألقاها رئيس الجامعة، عبّرت عن روح الأردنية ورواسخها، ولامست عقولَ الطّلبة وقلوبَهم، حثًّا على الإبداع، والتغيير الإيجابي، والمسؤوليّة المجتمعية، وقدّرت ما أنجزتهُ الجامعةُ من جهودٍ بحثيّةٍ تتجلّى أمام أعيُن كلّ من يذكر اسمها، فقد قال كلمتهُ بكل دفء ومحبة، فكانت قطعةً من الجمال والأدب، عابقةً بروح الأردنيّة، مُحلّقةً في فضاء الوطن، غنيةً بالفكر والحنان، متخمةً بالانتماء. قالها فشهد الجميع: هؤلاء هم أبناءُ الأردنية، ومخلصوها، ووجهها الحقيقيّ الحاضر الذي لا يغيب عنها،لا يخذلونها يومًا، ولا يعرفون إلا الإخلاصَ والتميُّز.
لقد نجحت الجامعة الأردنية في أن تبني مجدها الأكاديميّ بتواضع العلماء، وعزيمة العاملين بصمت، فطوّرت برامجها، وحدثّت مناهجها، وأطلقت مدوّنات السلوك، وأنجزت إصلاحاتٍ هيكليةً قبل غيرها، دون الحاجة إلى بهرجةٍ أو دعايةٍ.
وتوالت إنجازاتُها في التصنيفات العالمية، فدخلت قائمةَ أفضل 324 جامعة عالميًا في مجالاتٍ وتخصصاتٍ دقيقة، ونالت مكانةً مرموقةً في السمعةِ الأكاديميّة، وجودةِالخريجين. وهذا كلّه لم يكن محض أرقام، بل تعبيرٌ عن جهدٍ تراكميٍّ يعكس روح المؤسسة وهيبتها.
ولم تقف الأردنيّة يومًا عند حدودها الأكاديمية، بل كانت دائمًا حاضرةً في المشهد الوطني، حيثُ شاركت في حواراتِ التّعليم العالي، وقدّمت رؤىً إصلاحيةً جادةً تؤمن بالاستقلالية المؤسسية، والتعددية، والتفوّق المبنيّ على الجدارة والكفاءة. لم تكن تتفرّج على الأحداث بل كانت في قلبها، تصوغ الأفكار وتطرح البدائل، وتقود الطريق نحو تجويد المخرجات وربطها بسوق العمل والنهضة الوطنية.ومنذ أنشئت الجامعةُ الأُردنيّة وهي تمضي في طريقها بهدوءٍ ورويّةٍ من غير ضجيجٍ، تقوم بواجباتها العلميّةِ والأكاديميّة بسمتها الذي يميز إيقاعاتِها ونهجها، ومن عاش الأردنيّة في عقودها كلها، يُدرك هذا السمت الذي يصل أحيانا حدّ الصمت، ولا نبالغ إذا قلنا إنّ إيقاع البناء الجاد يحتاجُ قواعدَ صلبةً وأنظمةً وقوانينَ تبني أعرافَها العريقةَ في كلّ صغيرةٍ وكبيرةٍ.
واليوم، ونحنُ نغادرُ منصّة التخريج، نُدرك أنّ الأردنية ليست مجرد ذكرى عابرة في حياة طلّابها، بل جذورٌ تترسّخ، وهويةٌ تبقى، وقيم تُرافق الخرّيجين حيثما حلّوا وارتحلوا.
فإليكَ أيها الرّئيس نقول: إنّنا قبل يومين استمعنا لقطعة أدبيةٍ مجبولة بحبّ الأردنية والوطن، إنّها أجملُ كلمةٍاستمعنا إليها، كانت من القلب إلى القلوب، كنتَ فيها محلّقًا جميلًا مباشرًا؛ غنيًّا بأفكارك، وطنيّاً بحبّك، أباً شغوفا في حنانك، كنتَ الضّوء المسافرَ في وهاد الوطن، لم تترك لأحدٍ إلّا قول: ها هم أبناءُ الأردنيّة رجالها وعلماؤها؛ أنفاسهم صدقٌ وانتماء، وكلماتُهم حياةٌ وبناء، إنّها كلمةٌتستحقُّ القراءةَ والاستماع، وأن تكون سجلاً ناطقا في سجلّات الأردنيّة.
أمّا الحفل، فقد كان بهيجاً جميلا كوجوه النشامى؛ والنشامى عذبةٌ قسماتهم، لا تنحني قاماتُهم، ولا يقبلون غير التميّز والإخلاص، والمخلصون نادرون؛ كالأحجار الكريمة، وجودهم في حياتنا ثراءٌ لا يقدّر بثمن، معادنهم تشعُّ بالمحبّة، إن قصّرنا في حقهم لا يتغيّرون، وإنما يزدادون لمعاناً؛ لأنهم جرعاتٌ من الحبّ والجمال والسّعادة، تحلو الحياةُ بهم، وتحيا القلوب بذكرهم.
وكم تسمو الكلمات وهو يتحدث اليهم من قلب شغوف بحبهم: نقف اليوم في رحاب الجامعة الأردنية، بيتكم الأول، التي احتضنت أحلامكم، وشهدت على صبركم، وسهركم، وتعطّشكم للمعرفة، فأنتم لستُم مجرّد خريجين، بل أنتم أبناء الحلم الأردني، وسفراء هذه الجامعة إلى كلّ مكانٍ تسمو فيه القيم، ويُبنى فيه الغد.
في وجوهكم أقرأ الفخر، وفي أعينكم أرى الوطن كما يجب أن يكون: نابضًا بالأمل، متجددًا بالشباب، قائمًا على سواعد تعرف معنى الاجتهاد، وتحمل في صدورها رسائل النهوض والرقي.
وكم تفرح حين ترى الحلم حقيقة وحين يحدثهم بلسان رطيب: تعلمتم هنا أن العلم ليس مجرد كلمات في الكتب، بل نورٌ يُضاء به العقل، وسلاح يُقاوَم به الجهل، وبوصلة تقود نحو الحقيقة. فامضوا حيث تدعوكم أحلامكم، ولا تنسوا أن الجامعة الأردنية ستبقى بيتكم، وأنّ اسمها سيلازم شهاداتكم، تمامًا كما ستظلّ إنجازاتكم مرآةً تُعبّر عنها.
ونبقى نردد ما قاله معالي الرئيس: أنتم امتداد هذه المسيرة، أنتم الحكاية التي تُروى، وأنتم الثمرة التي نفاخر بها الوطن والعالم أجمع، عليكُم نراهنُ، وبكم نثِق، وبوصولكم الحتميّ إلى قمم النّجاح نؤمن إيمانًا مطلقًا. وإلى أسرة الجامعة كلّها بهيئتيها الإداريّة والتّدريسيّة وخدماتها المُساندة، فتحيّةُ وفاءٍ لجهدكم، وصبركم، وتفانيكم. أنتم من صنعتم هذا الحفلَ البهيّ، وعكستُم هذه الصورة المشرقة.وإلى الجامعة الأردنية نفسِها، نقول: دمتِ، يا أمَّ الجامعاتِ، منارةَ علمٍ، ورايةَ فكرٍ، وعقلَ دولةٍ، ووطنًا دائمًا لكلّ من آمن بالعلم طريقًا، وبالأردنّ وطنًا ومسكنًا، وبالجامعة بيتًا ثانيًا لا يغيب.
*mohamadq2002@yahoo.com