الحكومة وأموال الضمان الاجتماعي
د. هاشم احمد بلص
28-07-2025 09:23 PM
يمثل صندوق الضمان الاجتماعي أحد أهم أعمدة الأمان الاجتماعي والاقتصادي في الدولة، حيث يُعنى بتأمين مستقبل العمال وتوفير حماية مالية للمواطنين عند التقاعد، أو في حالات الإصابة أو فقدان الدخل، إلا أن تزايد الحديث في الأردن عن استغلال الحكومة لأموال الضمان الاجتماعي - سواء من خلال الاقتراض أو توجيهها نحو استثمارات تخدم الموازنة العامة - يثير تساؤلات جدية حول مشروعية هذا التدخل، ومدى توافقه مع المبادئ الدستورية والقانونية التي تُنظم إدارة هذه الأموال.
حيث ينظم قانون الضمان الاجتماعي رقم (1) لسنة (2014) في الأردن إدارة أموال المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، وينص على استقلالية المؤسسة مالياً وإدارياً، كما أن أموال الضمان تعتبر أموالاً خاصة لها صفة الأمانة، لا يجوز التصرف بها خارج الغايات التأمينية والاستثمارية المحددة بالقانون، وتنص المادة (5) من القانون على أن "للمؤسسة شخصية اعتبارية ذات استقلال مالي وإداري"، أما المادة (4) فتؤكد أن أموال المؤسسة تُدار من خلال صندوق استثماري مستقل يخضع لرقابة مجلس إدارة مختص، وعلى هذا الأساس، فإن توجيه أموال الضمان إلى أغراض تمويل الموازنة العامة أو تسديد ديون الحكومة يتعارض مع نص وروح القانون.
يتجلى التغوّل الحكومي على أموال الضمان في عدة صور، منها الاقتراض المباشر من الصندوق تحت غطاء سندات خزينة، مما يحوّل أموال المتقاعدين إلى أدوات تمويل للعجز المالي الحكومين وكذلك التوظيف السياسي للاستثمار عبر فرض مشاريع حكومية أو شراكات غير مجدية اقتصادياً على الصندوق الاستثماري، كما يعد تأخير السداد أو التخلف عنه، مؤثر سلبي على العوائد والأمان المالي للصندوق، رغم وجود موافقات رسمية من مجلس إدارة المؤسسة أو وحدة الاستثمار، إلا أن التساؤل القانوني يدور حول مدى استقلالية هذه القرارات، وهل تأتي فعلاً بناء على اعتبارات اقتصادية بحتة، أم تحت ضغط سياسي مباشر؟.
استمرار تدخل الحكومة في إدارة الأموال يشكل خرقًا لمبدأ الاستقلالية المؤسسية، ويعرض المؤسسة للطعن في نزاهة قراراتها، وان استنزاف أموال الضمان دون ضمانات كافية قد يؤدي إلى عجز مستقبلي في الوفاء بالتزامات التقاعد والتأمين، وهو ما يهدد الاستقرار الاجتماعي، حيث لا توجد آليات فعالة تكفل الرقابة الشعبية أو البرلمانية على قرارات توظيف أموال الضمان، مما يفتح الباب أمام الفساد وسوء الإدارة، مما يؤدي الى تنامي القلق الشعبي حيال سلامة أموال الضمان ويضعف الثقة بالمؤسسة، ويؤثر على التزام المواطنين بالاشتراك بها، مما قد يؤدي إلى ضعف تدفق الإيرادات.
ان ضعف الرقابة التشريعية وغياب الدور الحقيقي لمجلس النواب في مراقبة سياسة استثمار أموال الضمان أو التحقق من قانونية استخدامها، كما ان عدم وضوح المعايير الاستثمارية رغم وجود وحدة استثمار مستقلة، تعتبر غامضة أحياناً وتخضع لتأثيرات حكومية في اختيار المشاريع، وان غياب المحاسبة الحقيقية الناتجة من انه لم يتم حتى الآن تقديم أي مسؤول للمساءلة بخصوص استثمارات فاشلة أو توظيف غير مدروس لأموال الصندوق.
إن أموال الضمان الاجتماعي هي ملك للمواطنين وليست للحكومة، وأي تغوّل عليها يعد انتهاكًا خطيرًا للحقوق الاقتصادية والاجتماعية المكفولة بالدستور والقانون، ولضمان حماية هذه الأموال، لا بد من اتخاذ خطوات عاجلة تشمل تعزيز الرقابة البرلمانية والقضائية على قرارات استثمار أموال الضمان، وإصدار قانون خاص بإدارة أموال الضمان يضمن استقلالية كاملة وشفافية تامة في كل مراحل اتخاذ القرار، وتجريم أي استخدام سياسي أو غير اقتصادي لأموال المؤسسة، نشر تقارير دورية محاسبية وتقييمات مستقلة حول أداء الصندوق الاستثماري.