نعش الرحباني حقق ما لم تحققه السياسة
المحامي الدكتور هيثم عريفج
29-07-2025 03:23 PM
ضجّت منصات التواصل الاجتماعي، وتجمهر الناس خلف شاشات هواتفهم، يتابعون مشهدًا قلّما يتكرر... جنازة زياد الرحباني، الابن الذي حمل لواء الفن الملتزم والحرّ، والمبدع الذي صاغ من الألم مسرحًا، ومن القهر موسيقى، ومن الوجع العربي ملحمة لا تُنسى.
لم تكن جنازة عادية، بل تحوّلت إلى لحظة وطنية جامعة، تجاوزت حدود لبنان الجغرافية لتصير حدثًا عربيًّا بامتياز. التفّ اللبنانيون بمختلف طوائفهم وهوياتهم حول نعش لم يكن يرمز فقط إلى شخص، بل إلى رسالة. رسالة الفن النظيف، الكلمة الصادقة، والحلم المقاوم.
وجاء حضور السيدة فيروز، أيقونة لبنان والشرق، ليضفي على الجنازة هالة من القدسية. أمٌّ حزينة، متشحة بالسواد، لكنها شامخة كالأرز، صامتة كعادتها، وناطقة بكل مشاعر الأم والرمز والوطن. ازداد عشق الناس لها في هذا اليوم، كما لو أنهم عزّوها وودّعوا ابنها كأبنائهم، واحتضنوا لبنان عبر وجهها المتجلي بالحزن النبيل.
الفنانون اللبنانيون شاركوا مشاعرهم ببساطة وصدق، دون تصنّع أو بهرجة. الكلمة كانت صادقة، والدمعة حقيقية، والصوت خافتًا إلا في داخله صدى كبير. ولأول مرة منذ زمن، بدا وكأن الجميع يقول: "نحن لبنان"، لا "نحن الطائفة أو الحزب أو المنطقة".
في وطن مثقل بالجراح، من قهر وفقر وطائفية وتدمير ممنهج، جاء زياد في جنازته كما في حياته. يرفض الانقسام، يدعو للمحبة، ويبشّر بالأمل. حتى في رحيله، كان الصوت الذي يُعيدنا إلى أخلاقنا، إلى تراثنا، إلى إنسانيتنا.
من يُفرّقنا ليس إلا الكراهية والحقد والفكر الظلامي. أما زياد، فقد وحدنا بالموسيقى، بالكلمة، وبالوداع الأخير.
رحل الجسد، لكن بقي الأثر .
رحل زياد، لكن الرسالة لم ترحل.
رحل الفنان، لكن لبنان الحقيقي – ذلك الذي نحلم به – ظهر للحظة، حزينًا، جميلًا، ومتحدًا.
كيف لنا ان نغسل حقد السنين؟ حقد التطرف وفكر العنصرية ونطهر قلوبنا ليقبل الجميع فكرة ان الآخر له الحق كما هو لنا
رحمك الله يا زياد ورحم أمتنا من الكره والتطرف