الملك عبدالله الثاني في برلين: دبلوماسية أردنية
د. فاطمة العقاربة
30-07-2025 02:08 AM
"وجهة نظر تحليلية لزيارة برلين"..
في لحظة دولية يخيّم عليها الصمت والتردد تجاه كارثة غزة، برز صوت عربي واضح، يحمل مشروعًا أخلاقيًا وسياسيًا متماسكًا؛ إنه صوت جلالة الملك عبد الله الثاني، الذي وصل للقاء المستشار الألماني، والمشاركة في مؤتمر صحفي مشترك، لم يخلُ من رسائل ثقيلة المعاني في توقيت بالغ الحساسية.
وبعنوان بين الدبلوماسية الأخلاقية والسياسة الواقعية في المؤتمر الصحفي، لم يكتفِ الملك الأردني بترديد شعارات دبلوماسية معتادة، بل أطلق مواقف صريحة تحمل طابعًا إنسانيًا وسياسيًا واضحًا: "يجب أن تنتهي الحرب الإسرائيلية على غزة، فقد وصلت الكارثة الإنسانية إلى مراحل لا يمكن وصفها" بهذه العبارة، وضع الملك العالم أمام مسؤوليته الأخلاقية، منتقلاً من مربع التنديد إلى الضغط السياسي المباشر.
لكن الرسالة الأعمق كانت في تحذيره من "تسييس العمل الإغاثي"، مؤكّدًا أن استهداف المدنيين الجوعى خلال محاولاتهم للحصول على المساعدات هو أمر "غير مقبول"، ما يُعدّ اتهامًا ضمنيًا للمنظومة الدولية بالصمت أو التواطؤ.
ولكن السؤال لماذا برلين؟
لم يكن اختيار ألمانيا عبثيًا؛ فبرلين تمثل اليوم مركز ثقل سياسي في الاتحاد الأوروبي، وتتمتع بتأثير اقتصادي وعسكري داخل حلف الناتو. زيارة الملك جاءت في لحظة تقاطع حرجة بين:
• تراجع الثقة الأوروبية في الرواية الإسرائيلية بعد تصاعد جرائم الحرب في غزة.
• انتقال قيادة ألمانيا من شولتس إلى ميرتس، مع ما يحمله هذا من إمكانية إعادة تموضع سياسي في ملفات الشرق الأوسط.
أمام هذا الواقع، بدا جلالة الملك وكأنه يزرع موقفًا عربيًا متماسكًا في قلب أوروبا، ويعيد ضبط البوصلة الأخلاقية التي تاهت في زحام المصالح الغربية.
الأردن... أكثر من مجرد جغرافيا جوار
أبرز الملك خلال المؤتمر الصحفي الدور العملي الذي يقوم به الأردن:
• إرسال قوافل المساعدات إلى غزة.
• تنسيق الجهود الإنسانية والطبية.
• تسهيل عمليات الإجلاء الطبي الآمن.
لم يطرح الأردن نفسه كوسيط سياسي فقط، بل كفاعل إنساني متقدم، يتحرك بالميدان لا بالشعارات، ويؤسس لنموذج مغاير في التعاطي مع الأزمات الإقليمية.
من غزة إلى سوريا... رؤية متكاملة
الملك لم يحصر حديثه في القضية الفلسطينية، بل وسّعه ليشمل ملف سوريا، مؤكدًا أن استقرارها جزء لا يتجزأ من استقرار المنطقة. في هذا الطرح، يظهر البُعد الاستراتيجي الأردني في رفض تفتيت الدول، والدعوة إلى دعم شامل للشعوب لا للأنظمة فقط.
تصريح الملك بأن "استمرار الدعم الدولي لسوريا ضروري لتجنب عودة الأزمة ولدعم السوريين في إعادة بناء دولتهم" يعكس مقاربة مغايرة للمقاربات الغربية الانتقائية.
هل يتغير الموقف الأوروبي؟
التحركات الأردنية الأخيرة تُشكّل اختبارًا أخلاقيًا للاتحاد الأوروبي، خاصة في ظل الانتقادات المتزايدة من شعوبه تجاه انحياز حكوماتهم.
• هل تنجح برلين في بلورة موقف متوازن؟
• هل يؤدي الضغط الأردني إلى تحريك فرنسا أو بلجيكا أو النمسا؟
• هل يستطيع الأردن، بهذه الديناميكية، أن يعيد صياغة الموقف الغربي تجاه القضية الفلسطينية؟
فالخلاصة الاستقصائية
ان الأردن كقوة ضمير دولية
زيارة الملك عبد الله الثاني إلى ألمانيا، وتصريحاته فيها، لم تكن زيارة مجاملة، بل كانت جولة من المعركة السياسية والأخلاقية الطويلة التي يخوضها الأردن في وجه الظلم الدولي.
في زمن يعاني فيه العالم العربي من فراغات قيادية، وركود في المبادرات الحقيقية، يبدو أن الأردن يُراكم رصيدًا دبلوماسيًا صلبًا، ويُعيد تقديم نفسه كقوة أخلاقية فاعلة في ملفات المنطقة، لا سيما القضية الفلسطينية، التي يصرّ الملك على أنها "قضيتنا المركزية التي لا تنازل عنها". ويبقى الفكر الهاشمي العسكري بحنكته السياسية واحتواءه للمواقف اكبر دليل ان الاردن عظيم بقيادته وجيشه وشعبه .