وقف الحرب وتدويل غزة .. الخيار السياسي الأخير أمام نتنياهو
م. وائل سامي السماعين
01-08-2025 04:41 PM
تمر إسرائيل اليوم بأسوأ مرحلة في تاريخها الحديث، ليس فقط بسبب فشلها في تحقيق أهداف الحرب على غزة، بل بسبب التحولات العميقة في الرأي العام الدولي، والتعاطف العالمي المتزايد مع المدنيين الفلسطينيين في ظل صور المجاعة والدمار والدماء.
فحركة حماس ما تزال قائمة، وممولوها لم يتراجعوا، والمجتمع الدولي بات أكثر انخراطًا في المطالبة بحل سياسي يعيد الاعتبار لحل الدولتين. وفي ظل هذا الواقع، تبدو القيادة الإسرائيلية – وعلى رأسها نتنياهو – في مأزق حقيقي.
الخطوة الوحيدة التي قد تُنقذ إسرائيل من مزيد من العزلة والتدهور السياسي والاقتصادي، وتُخرج نتنياهو من هذا الحرج التاريخي، تتمثل في وقف الحرب فورًا، وإدخال المساعدات إلى غزة دون تأخير، وطلب تدخل المجتمع الدولي لفك أسر الرهائن والضغط على حماس ومموليها.
وهذه الخطوة قد تفرض على المجتمع الدولي أن يتحرك بشكل أكثر فاعلية، بفرض عقوبات على حماس والدول أو الجهات التي تموّلها، لإجبارها على تفكيك سلاحها والانضواء تحت مظلة الشرعية الفلسطينية.
نتنياهو يدرك أن نتائج هذه الحرب لم تعد كارثية فقط على إسرائيل، بل قد تكون وخيمة عليه شخصيًا، سياسيًا وقانونيًا، خاصة مع تصاعد الدعوات في الداخل الإسرائيلي لإعادة تقييم القيادة والمسار.
وفي هذا السياق، تتزايد مؤشرات الغضب الدولي من إسرائيل. فقد أظهر استطلاع جديد أجرته مؤسسة “غالوب” ونُشر في واشنطن، أن 32 بالمئة فقط من الأمريكيين يؤيدون العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، بانخفاض 10 نقاط عن سبتمبر 2024. كما أشار الاستطلاع إلى انقسام حزبي حاد في الرأي العام الأمريكي؛ حيث عبّر 71 بالمئة من الجمهوريين عن تأييدهم للعمليات، مقابل 8 بالمئة فقط من الديمقراطيين.
وبالتوازي، تزايدت اعترافات الدول الغربية بالدولة الفلسطينية، حيث اعترفت أكثر من 140 دولة حتى الآن بفلسطين كدولة ذات سيادة، بينها عدد متزايد من دول أوروبا الغربية، مثل إسبانيا، أيرلندا، النرويج، وسلوفينيا، مما يعكس تغيرًا تدريجيًا في المواقف التقليدية لحلفاء إسرائيل.
وابدت عدة دول مهمة مثل فرنسا وبريطانيا وكندا نيتها الاعتراف في الدولة الفلسطينية قريبا .
هذا التراجع في التأييد، والاتساع المتسارع لرقعة الاعتراف الدولي بفلسطين، يعكس حجم التحوّل في المزاج العالمي، ويؤكد أن استمرار الحرب لم يعد مقبولًا حتى في أبرز حلفاء إسرائيل، ما يعزز من منطق التوجه نحو تسوية سياسية، تحفظ لإسرائيل ما تبقى من صورتها، وتحفظ لنتنياهو بقايا ماء وجهه، قبل أن يطاله الغضب داخليًا وخارجيًا.
ما يجري في غزة يعيد إلى الأذهان تجربة صدام حسين حين اجتاح الكويت، حين غلب العنادُ صوتَ الحكمة، فتجاهل كل التحذيرات الدولية، وكانت العواقب وخيمة على العراق وشعبه، دمًا ودمارًا وعزلةً استمرت لعقود. واليوم، يبدو أن نتنياهو يكرر الخطأ ذاته؛ يصر على خيارات تعاند العالم وتتجاهل الحقائق، في مسار لا يقود سوى إلى مزيد من الانحدار والعزلة، داخليًا وخارجيًا، ويهدد صورة إسرائيل ومستقبلها السياسي والاقتصادي.
مطلوب من نتنياهو أن يتخذ خطوة سياسية ذكية وشجاعة، بإعلان وقف فوري للحرب، والانصياع للشرعية الدولية، والعمل على تدويل ملف الأسرى، وتفكيك سلاح حماس، ووضع قطاع غزة تحت إشراف الأمم المتحدة، كمدخل واقعي للخروج من هذا المستنقع الذي يهدد مستقبل إسرائيل ومكانتها الدولية.
waelsamain@gmail.com