آفاق وادوار ومتطلبات الأحزاب لتعزيز التنمية الاقتصادية في الأردن
فارس متروك شديفات
02-08-2025 11:47 AM
يشهد الأردن اليوم حراكًا إصلاحيًا ، يتجلى في ثلاثة مسارات متكاملة: السياسي، الاقتصادي، والإداري، وفي صلب هذه المساعي، تبرز التنمية الاقتصادية المحلية كركيزة أساسية لتعزيز جودة حياة المواطنين، وتحفيز الاستثمار، وتوفير فرص العمل في المحافظات.
التنمية الاقتصادية المحلية هي عملية حيوية ومبتكرة، تمثل نقلة نوعية وجذرية ،يديرها ويقودها الأطراف الفاعلة من داخل المجتمع نفسه؛ أي القطاع العام المحلي، والقطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني ؛هدفهم الأساسي هو توظيف واستغلال الميزات التنافسية الفريدة للمنطقة ، سواء كانت موارد طبيعية، أو مهارات بشرية، أو موقعًا جغرافيًا مميزً، لخلق فرص عمل مستدامة لأبناء وبنات المنطقة، وبالتالي تحسين جودة حياتهم ورفاهيتهم بشكل شامل.
لكن الطريق بهذا الاتجاه ليس مفروشًا بالورود؛ فالتحديات عديدة، من ضعف التنسيق بين الجهات الفاعلة إلى عوائق تشريعية وتنظيمية تعيق عجلة التنمية المحلية؛ وهنا يأتي دور الأحزاب السياسية، الشريك الفاعل والقادر على دفع هذه العجلة قدمًا.
أن تمكين الأحزاب السياسية من الانخراط الفاعل في صياغة السياسات الاقتصادية المحلية أمر حيوي، فالأحزاب مؤسسات لديها قوة فاعلة قادرة على التأثير في القرار العام، بما يخدم المجتمعات المحلية، ويعزز الحقوق والعدالة التنموية.
الأحزاب كمؤسسات قادرة على تلمس معاناة المواطنين، والامينة على احتياجاتهم، والعقل واللسان الذي يعبر عن طموحاتهم الاقتصادية؛ ويمكن عبر الأحزاب تحديد الأولويات التنموية، واقتراح الحلول للمشكلات المحلية، وتعبئة الجهود لتحقيقها، بالإضافة الى ان الأحزاب الفاعلة قادرة على تحفيز المشاركة المجتمعية، وتعزيز الشفافية، ومراقبة ومتابعة وتقييم ومسائلة الأداء العام، وكلها عوامل أساسية لبيئة اقتصادية محلية مزدهرة.
إن مسار تفعيل دور الأحزاب بالتنمية الاقتصادية المحلية يتطلب منها جهودًا مكثفة ومتعددة الأوجه، من بناء قدرات متخصصة في التنمية الاقتصادية المحلية لأعضاء وكوادر الحزب ، وتعزيز معارفهم، وتطوير مهاراتهم في مجالات، الاقتصاد السياسي، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ، التخطيط التنموي، التنمية المحلية ، الحوكمة الرشيدة، التخطيط الاستراتيجي، الموازنات المحلية والعامة ، أدوات المناصرة وقيادة التأثير ، مهارات وادوات البحث المجتمعي، ادوات ومهارات المتابعة والتقييم والمسائلة الاجتماعية ، ومهارات صياغة اوراق السياسات وتقدير الموقف .
ولاستكمال مسار دور الاحزاب بالتنمية الاقتصادية المحلية ، ولتعزيز دورها في السياسات المحلية ، ينتظر من الأحزاب صياغة أوراق موقف، وتقديم توصيات عملية حول سبل تعزيز التنمية الاقتصادية المحلية، وإجراء دراسات معمقة لاحتياجات كل منطقة (محافظة، مدينة، بلدة)، وصياغة برامج اقتصادية واضحة ومجدية تأخذ بعين الاعتبار الميزة التنافسية لكل منطقة.
ومن الأوجه المتعددة لتعزيز دور الأحزاب بالتنمية الاقتصادية المحلية ، قيامها بتفعيل المشاركة والرقابة المجتمعية ، من خلال بناء آلية تشاور وتنسيق مستدامة مع المجالس المحلية ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، لتعزيز الحوكمة التشاركية في الشأن المحلي، والمطالبة بآليات واضحة ومحددة لعملية التشاور والمشاركة، خاصة وأن القانون يلزم المجالس بالتشاور، لكن الآليات غالبًا ما تكون غير واضحة.
ولعل من المهم ان نشير الى الدور المهم للأحزاب لتطوير التنمية الاقتصادية المحلية، عبر المساهمة في الإصلاح التشريعي، بتقديم مقترحات وتوصيات عملية بخصوص قانون الإدارة المحلية الجديد، بما يعزز الصلاحيات التنموية للمجالس المحلية، ويحفز الاستثمار، ويضمن التنسيق بين الجهات الفاعلة.
ان ترجمة ادوار الأحزاب السياسية بشكل عملي على المستوى المحلي( محافظات ،مدن ، بلدات ) لتعزيز التنمية الاقتصادية المحلية في الأردن بشكل واضح وملموس من خلال قيام الأحزاب بتمثيل المواطنين، وتكون الاحزاب قناة فعالة للمواطنين للتعبير عن آرائهم حول القضايا الراهنة، و اختيار وتقديم المرشحين المناسبين والمؤهلين لخوض الانتخابات المحلية، ومراقبة أداء المجالس والبلديات بفعالية وشفافية، وصياغة وتطوير السياسات والأفكار الاقتصادية المحلية بما يخدم المجتمعات.
بشكل عملي يمكن ان تعمل الأحزاب على ترجمة محاور رؤية التحديث الاقتصادي إلى عمل حزبي محلي ملموس، مثل تبني حملات لتعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ، او لتحسين جودة الخدمات، او لإنشاء المزيد من الحدائق، أو تحسين النقل العام، أو اقتراح إنشاء حاضنات أعمال، أو المناصرة لمشاريع الطاقة المتجددة وإدارة النفايات.
من المهم ان نشير الى ان موقع الأحزاب داخل مؤسسة التشريع ( البرلمان ) كجزء من السلطة التشريعية يمنحها أدوات متاحة، ذات تأثير مباشر وقوي للدفع بالتشريعات المعنية بالتنمية المحلية الاقتصادية، وهي آلية لقيادة عملية التغيير من داخل المنظومة التشريعية ، باستخدام الأدوات السياسية والبرلمانية المتاحة ؛عبر تقديم مقترحات القوانين وتعديلاتها ،فهي الأداة الأقوى والأكثر مباشرة لصناعة التغيير.
ويمكن للأحزاب الممثلة داخل البرلمان طرح وتقديم الأسئلة والاستجوابات ، باعتبارها أداة رقابية فعالة لتسليط الضوء على قضايا التنمية الاقتصادية ، وتحديات تطبيق قوانين وانظمة التنمية الاقتصادية المحلية وتمهيد الطريق للتعديلات المنشودة .
ولقيادة التغيير الداعم والمعزز للتنمية الاقتصادية المحلية ، تقوم الاحزاب بتشكيل تكتلات وتحالفات نيابية حول قضايا التنمية المحلية لتوحيد الجهود وتمرير التشريعات ، وبالانخراط بعمل اللجان النيابية، باعتبارها المكان الأهم للتأثير في تفاصيل القوانين وصياغتها النهائية، فهي مطبخ التشريعات .
ولكي ينجح هذا المسعى، يجب على الأحزاب بناء زخم قوي خارج البرلمان أيضًا، باستخدام الإعلام التقليدي والرقمي لشرح أهمية التعديلات المقترحة للمواطنين وبناء رأي عام داعم لها، وبناء التحالفات مع أصحاب المصلحة المعنيين ،بتعزيز التنمية الاقتصادية المحلية ، كغرف التجارة والصناعة ومنظمات المجتمع المدني، والتنسيق مع رؤساء البلديات، وتنظيم جلسات استماع عامة لجمع المعلومات والأدلة والآراء من أصحاب الشأن لتقوية موقفهم داخل البرلمان ، لخلق جبهة موحدة تطالب بالتغيير، بالإضافة الى إدارة العلاقة والحوار الفعال مع الحلفاء وأصحاب العلاقة من صناع ومتخذي القرار .
إن التنمية الاقتصادية المحلية هي مشروع وطني يتطلب تضافر الجهود، فالأحزاب السياسية، بقدراتها وكوادرها والتزامها تجاه المجتمعات، تمتلك المقومات لتكون القاطرة الحقيقية لهذه التنمية، من خلال بناء القدرات، وتفعيل المشاركة، والمساهمة في الإصلاح التشريعي، ويمكن للأحزاب أن تحول التحديات إلى فرص، وأن تعزز من جودة حياة المواطنين، وأن تبني مستقبلًا اقتصاديًا مزدهرًا في كل مدينة وبلدة وقرية في الأردن.
إنها دعوة للأحزاب للانخراط بعمق، وللمواطنين لدعمها ومساءلتها، وللجميع للعمل معًا من أجل أردن أكثر ازدهارًا عبر الحقوق والعدالة التنموية.
* بقلم مدرب التمكين السياسي والاقتصادي