facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




التهجير بالتدرج: كيف تحوّلت إسرائيل من الحرب على حماس إلى حرب على السكان؟


صالح الشرّاب العبادي
03-08-2025 03:43 PM

منذ اليوم الأول للحرب على قطاع غزة في أكتوبر 2023، أعلنت إسرائيل جملة من الأهداف “الواضحة”: القضاء على حركة حماس، تحرير الأسرى الإسرائيليين، إعادة الأمن إلى مستوطنات “غلاف غزة”، وإعادة فرض الهيبة والردع العسكري الذي طالما تبنته في عقيدتها القتالية. لكن بعد مرور أشهر طويلة على القتال المتواصل، لا يبدو أن هدفاً واحداً من هذه الأهداف قد تحقق — لا عسكرياً، ولا سياسياً، ولا حتى استراتيجياً.

فحركة حماس ما تزال تقاتل وتحتفظ بهياكلها العسكرية، والجنود الأسرى ما زالوا داخل القطاع، فيما يعيش سكان الغلاف بين النزوح والخوف، وتُستنزف المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على أبواب غزة. هذا الإخفاق المتراكم فتح الباب، داخلياً وخارجياً، لطرح خيار بديل: تهجير سكان غزة خارج القطاع، لا باعتباره حلاً إنسانياً، بل كوسيلة لـ”إغلاق الملف” عبر إزالة السكان من الجغرافيا.

التحوّل الأميركي… ونقطة الانعطاف

النقطة المفصلية في هذا التحول لم تأتِ من تل أبيب، بل من واشنطن ، تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن “غزة لم تعد صالحة للحياة”، داعياً إلى تهجير سكانها إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن، أو حتى إلى السعودية وشمال إفريقيا. وفي حين بدا الطرح صادماً ومفاجئاً، خاصة أنه جاء من خارج السلطة الرسمية الأميركية، إلا أنه لقي صدى حقيقياً داخل أوساط اليمين الإسرائيلي، وتحول تدريجياً من فكرة هامشية إلى محور في نقاشات النخبة السياسية والأمنية ، حيث تبنت اسرائيل هذا الخيار المدعوم امريكاً بقوة واصبحت النخب السياسية المتطرفة والعسكرية تضع الخطط لتحقيق هذا الهدف .

رغم الرفض العربي والدولي القاطع لهذا المقترح ، بدأت ملامح التفكير الإسرائيلي تتغير، وتحولت الحرب شيئاً فشيئاً من مواجهة عسكرية مع “العدو” إلى معركة ديمغرافية ضد السكان. وأصبحت “إفراغ غزة” حلًا خفيًا للهروب من الفشل الميداني، وتحقيق نصر بديل لا يتحقق عبر السلاح التقليدي.

من الأقوال إلى الأفعال: تصريحات تكشف النية

لم يكن انحراف الحرب نحو التهجير الخارجي وليد اللحظة، بل سبقه سلسلة من التصريحات العلنية لوزراء وقادة في الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي تُعد الأكثر تطرفًا في تاريخ الكيان. تلك التصريحات لم تكن مجرد انفعالات طارئة، بل تعكس تصوّرًا عميقًا عن “الحل النهائي” لغزة في عقول رموز هذا اليمين.

في اخطر تصريح أرهابي ، دعا وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش إلى “إلقاء قنبلة نووية على غزة لإنهاء المشكلة من جذورها”، تصريحٌ أثار موجة استنكار دولية، لكنه لم يُواجَه بأي اعتراض رسمي داخل الحكومة.

أما وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، فقد صرّح مرارًا بأنه “لا يمكن ترك غزة كما هي”، داعيًا إلى “احتلالها بالكامل وضمها إلى إسرائيل”، واصفًا المدنيين الفلسطينيين بـ”المخربين المتكمنين في حضن الإرهاب”.
في أحد تصريحاته الأشد تطرفًا، دعا بن غفير صراحةً إلى “إغراق غزة في البحر”، تعبيرًا عن رغبته في إنهاء الوجود السكاني الفلسطيني فيها كليًا.

وفي جلسات مغلقة تم تسريب بعض مضامينها، وردت نقاشات عن مشروع لإعادة الاستيطان اليهودي في القطاع، عبر “إقامة كانتونات محمية” داخل ما تبقى من غزة بعد تفريغها.

هذه التصريحات وغيرها لا يمكن فصلها عن التحول العملي الذي جرى لاحقًا: فقد شكلت، من حيث المضمون، المرتكز الأيديولوجي لسلوك ميداني يبدو الآن ممنهجًا نحو التهجير القسري والتطهير الديمغرافي.

التهجير بالتدرج: من فرض الواقع إلى صياغة الجريمة

وفق تقرير لمنظمة أوكسفام صدر في يوليو 2025، فإن إسرائيل عمدت إلى تحويل أكثر من 70% من مناطق قطاع غزة إلى “مناطق عسكرية مغلقة”، تُمنع العودة إليها، مع فرض مساحات خانقة على التجمعات السكانية، ما دفع بمئات الآلاف إلى التكدس في مناطق الجنوب — دون بنى تحتية، أو غذاء، أو مأوى .

ترافقت هذه السياسات مع النزوح المتكرر من وإلى مناطق تنعدم بها الحياة ، إلى استهداف ممنهج لمراكز توزيع الغذاء، وفرض سيطرة أمنية على المساعدات عبر شركات خاصة تعمل في نطاق استخباري، وحرمان متعمد من المياه والكهرباء، إلى جانب تدمير المنظومة التعليمية والصحية والدينية داخل القطاع. وقد وصفت منظمة هيومن رايتس ووتش هذه الممارسات بأنها “تندرج تحت التهجير القسري، بل تصل إلى مستوى التطهير العرقي” .

المقاربة النفسية: الانهيار لا الإقناع

لم تعد إسرائيل تحاول إقناع الفلسطينيين بمغادرة غزة ، بل تعمل على خلق ظروف مادية ونفسية وجسدية ، تدفعهم قسرًا إلى خيار “النجاة بالخروج”. فالقصف المتكرر، والتعطيش، والإفقار، والقتل في طوابير الخبز والماء، والهدم المتواصل، كلها أدوات ترمي إلى صناعة “بيئة طاردة” تدفع السكان دفعًا إلى حدود مصر، أو حتى إلى البحر ، علاوة على ابقاء أفق التفاوض غامضاً بدون أمل لهدنة او صفقة ..

في يوليو 2025، كشفت صحيفة The Guardian أن مسؤولين عسكريين إسرائيليين بدأوا فعلياً في تنفيذ خطة لإقامة “منطقة انتقالية” قرب رفح، لاستيعاب مئات الآلاف من المهجرين داخلياً، تمهيدًا لدفعهم نحو التهجير الخارجي، في حال توفر “الغطاء الدولي المناسب” .

سردية الهروب من الفشل

في العمق، لا تبدو هذه السياسة ناتجة فقط عن رغبة يمينية متطرفة، بل عن حاجة إستراتيجية للهروب من الهزيمة. فبعد إخفاق إسرائيل في القضاء على حماس أو تحرير أسراها، صار التهجير هدفًا بحد ذاته — بل أصبح هو “النصر الوحيد الممكن” في عقول بعض صناع القرار.

وبينما ترفض إسرائيل الاعتراف رسميًا بتبني هذا المشروع، إلا أن تراكم الأدلة السلوكية والخطابية يوحي بتحول حقيقي: من أهداف حربية إلى أهداف ديمغرافية، ومن استهداف المقاومة إلى استهداف الحاضنة السكانية.

هل نشهد نكبة جديدة؟

ما يجري في غزة ليس مجرد “عملية عسكرية”، بل مخطط طويل النفس لتفريغ الجغرافيا من ديمغرافيتها، ولإعادة صياغة مستقبل القطاع ضمن منطق “إسرائيل بلا غزة”. ومع فشل المجتمع الدولي في وقف هذه السياسات، وتواطؤ بعض القوى النافذة، تزداد احتمالية أن تتحول سياسة التهجير بالتدرج إلى نكبة جديدة، تُنفذ ليس دفعة واحدة كما في 1948 و 1967 ، بل على مراحل، وتحت غطاء كثيف من التبريرات الأمنية والإنسانية المضلِّلة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :