facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




العدالة المناخية كأزمة سياسية وإدارية


لانا ارناؤوط
04-08-2025 12:52 AM

لم يعد من الممكن التعامل مع البيئة كمسألة منفصلة عن إدارة الدولة أو عن موازين العدالة. فالعدالة المناخية لم تعد مفهومًا بيئيًا نخبويًا، بل باتت تمثل أزمة سياسية حقيقية وإدارية عميقة، تختبر قدرة الحكومات على إدارة الأزمات على أسس أخلاقية واستراتيجية في آنٍ معًا.

تكمن الأزمة في جوهرها في التناقض الصارخ بين من يُنتجون الكوارث المناخية، ومن يتحملون كلفتها. فالدول الصناعية الكبرى، ذات التاريخ الطويل في تلويث الغلاف الجوي، ما زالت تملك الأدوات الاقتصادية والبنية التحتية التي تمكنها من امتصاص بعض الصدمات، بينما تُترك الدول الفقيرة والهشة، والتي لم تساهم أصلًا في تدهور المناخ، تواجه آثارًا كارثية على مجتمعاتها واقتصاداتها الهشة. هذه الفجوة لا تعبر عن خلل بيئي فحسب، بل عن غياب للعدالة كقيمة تحكم العلاقات الدولية ونُظُم الحوكمة.

هنا تتحول العدالة المناخية إلى معضلة سياسية، لأن توزيع العبء المناخي ليس مجرد مسألة علمية، بل قرار سيادي يُبنى على مفاوضات دولية غير متكافئة. ترفض بعض الحكومات الالتزام بخفض الانبعاثات أو تقديم التمويل، بينما تُطالب أخرى بحقها في "التنمية أولًا"، حتى لو كانت على حساب البيئة، لأن من سبقوها استنزفوا حصة الأرض منها. وفي هذا الشدّ والجذب، تُدفن أصوات الشعوب الهشة التي لا تملك سوى التكيّف القسري مع أوضاع لم تُسهم في صناعتها.

أما من الناحية الإدارية، فتكمن الأزمة في ضعف البنية المؤسسية في كثير من الدول لمواجهة آثار المناخ، سواء عبر التخطيط المدني، أو إدارة المياه، أو استراتيجيات الطوارئ، أو التكيف الزراعي. كثير من السياسات تُبنى كردود فعل لحظية، لا كرؤية استباقية تدمج المناخ في قلب القرار الإداري. وفي ظل غياب الحوكمة البيئية، تبقى العدالة المناخية شعارًا جميلًا، دون أثر فعلي على الأرض.

إن العدالة المناخية ليست مجرد مطالبة بتعويض مالي، بل تطلب إعادة النظر في معايير توزيع الموارد، وفي شكل الشراكات بين الشمال والجنوب، وفي طريقة صنع القرار الدولي. إنها تطلب أن تُبنى السياسات البيئية على أساس "من الأكثر هشاشة؟ ومن الأكثر قدرة على التحمّل؟"، لا على أساس من يملك سلطة التفاوض. كما تتطلب حكومات محلية تضع العدالة في صلب خططها، لا أن تكون مجرد منفذ لتعليمات دولية أو مموّل لمشاريع خارجية الشكل، خاوية الجوهر.

وفي العالم العربي، تبرز أهمية هذا الطرح أكثر، لأن المنطقة مهددة بالجفاف، وبفقدان الأراضي الزراعية، وبنزوح بيئي داخلي صامت قد يتحول إلى انفجارات اجتماعية، لا تُفهم إلا في ضوء فشل إدارة أزمة مناخية تم تجاهلها لعقود. الأردن، على سبيل المثال، لا يملك ترف الانتظار، ولا يملك فائضًا من الموارد، لكنه يملك فرصة لبناء نموذج استباقي في إدماج العدالة المناخية في السياسة العامة، شرط توفر الإرادة والشفافية والكفاءة.

العدالة المناخية اليوم هي مرآة للعدالة السياسية. من يُقصي الهشّ بيئيًا، يقصيه اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا. ومن يُخفق في إدارة الأزمة على أساس الإنصاف، إنما يُعيد إنتاج الظلم في ثوب جديد. ولهذا، فإن أزمة المناخ، كما هي بيئية، هي أيضًا سؤال في جوهر السلطة: لمن تُصنع السياسات؟ ولأي غدٍ نُخطط؟.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :