سعر وجبة "بيج ماك" في الأردن أقل من سعر ذات الوجبة في الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم دول الإقليم.
لكي يتساوى سعر وجبة ال "بيج ماك" الأردنية مع نظيرتها في الولايات المتحدة، يحتاج سعر صرف الدينار الأردني أن يرتفع من 1.4 دولار أمريكي "حاليا" إلى 2.5 دولار أمريكي.
ضمن الإطار النظري المجرد، وبافتراض غياب عوائق وكلف التجارة والنقل، يفترض أن تتساوى أسعار السلع بين الدول.
وإذا لم يحدث هذا التساوي تكون أسعار عملات الدول غير عادلة وتحتاج إلى الارتفاع أو الانخفاض وصولا إلى نقطة التعادل المتسقة مع أساسيات الاقتصاد.
هذا هو المبدأ الذي يقوم عليه مؤشر "بيج ماك" لمجلة الإيكونوميست، والذي يسعى لتقييم العملات عالميا مقارنة بالدولار، وقياس إذا ما كانت أقل أو أعلى من قيمتها العادلة.
بالقياس على ذات المنهجية، يكون الدينار الأردني أقل من قيمته العادلة - اللازمة لضمان تساوي أسعار السلع والخدمات بين الأردن والولايات المتحدة. وبمعنى أن سعر صرف الدينار مرشح للارتفاع.
القفز إلى هذا الاستنتاج - رغم ما يحويه من تفاؤل - يشوبه قدر غير بسيط من عدم الدقة.
فكما أوضحنا سابقا، هذه المؤشر تبسيطي ويقوم على فرضيات "غير واقعية" مثل الحرية المطلقة لتدفق البضائع والأيدي العاملة، وغياب تكاليف النقل ومحددات دخول الأسواق.
أخذ جميع هذه العوامل والمحددات بعين الاعتبار يتطلب اللجوء إلى التقييم العلمي لسعر الصرف، والذي يظهر بحسب دراسات البنك المركزي وصندوق النقد الدولي بأن قيمة الدينار أمام الدولار عادلة. وبأن الحفاظ على نظام الصرف الحالي دون تعديل ركيزة أساسية لاستقرار ونمو الاقتصاد الأردني.
هل يعني ذلك أن مؤشر ال "بيج ماك" لا دلالات له بالنسبة للاقتصاد الأردني على الإطلاق؟
الواقع أن المؤشر يحمل دلالات إيجابية بالنسبة للاقتصاد الأردني، وإن كانت هذه الإيجابيات لا تصل حد رفع قيمة الدينار أمام الدولار.
الدلالة الإيجابية الأولى أن مستوى الأسعار في الأردن أقل منه في الولايات المتحدة، ومعظم دول الشرق الأوسط، وذلك على الرغم من ربط الدينار بالدولار، واعتماد الاقتصاد الأردني على الاستيراد بشكل كبير.
وهذا يعني أن القوة الشرائية للدولار في الأردن أعلى من مستواها في الولايات المتحدة وعدد من دول المنطقة الأخرى، رغم وجود ضرائب ورسوم مرتفعة نسبيا في الأردن لإصلاح المالية العامة.
أي أن المستثمر الأجنبي والسائح يجد مستوى الأسعار في الأردن - مقوما بالدولار الأمريكي - أكثر تنافسية من العديد من الاقتصادات المتقدمة ودول المنطقة.
وهذه التنافسية السعرية عامل رئيسي ومؤثر في قرارات السياحة والاستثمار، مما يفترض أن يساعد في التسويق للمملكة كوجهة استثمارية وسياحية.
الدلالة الثانية الإيجابية أن مستوى التضخم في الأردن منضبط. وهذا مرتبط بوجود منافسة حقيقية في السوق، وغياب الاحتكار، إضافة إلى وجود مساهمة محلية غير مستوردة في عملية الإنتاج.
ونعني بالمساهمة المحلية هنا الأيدي العاملة الأردنية، والزراعة والصناعة الأردنية على امتداد الطيف .. من وجبات المطاعم إلى الأدوية والخدمات السياحية ووصولا للصناعات الإلكترونية.
بالمحصلة، وبعد سنوات من تراجع التنافسية السعرية للمملكة نتيجة رفع الضرائب والرسوم لمواجهة الأزمات المالية، يعود الاقتصاد الأردني للمنافسة عالميا وإقليميا كوجهة سياحية واستثمارية معتدلة التكاليف.
هذه إحدى ثمار الإصلاح الاقتصادي طويلة الأجل، والتي دفع ثمنها الأردنييون من دخولهم الثابتة وقوتهم الشرائية المتآكلة خلال أكثر من 10 سنوات.
تحويل التنافسية السعرية لنتائج على الأرض يحتاج جهودا كبيرة لجذب السياحة والاستثمار وخلق فرص العمل.
وهذا، بطبيعة الحال، خاضع لاعتبارات متشعبة لا يكفي مؤشر واحد أو سعر سلعة واحدة لقراءتها وبناء استنتاجات نهائية حولها.
دراسات التنافسية السعرية والاقتصادية للمملكة خطوة رئيسية في مسار التسويق الاستثماري والسياحي.