facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الدراما العاطفية في الطفولة: بين التقديس والاضطراب


ناجي العواجنة
04-08-2025 02:24 PM

المشهد الذي فجر الجدل طفلة في الثامنة من عمرها، تبكي بعفوية خلال أغنية درامية، فتلتقطها الكاميرا دون علمها، ويُسرّب المقطع إلى منصات التواصل، لتتحول لحظة شعورية خاصة إلى مادة عامة يُعاد تداولها آلاف المرات.

لكن المشهد لم يمر مرور الكرام، بل فجّر عاصفة من الجدل والانقسام:
•بين من سخروا منها وتنمّروا على دمعتها الطفولية،

•ومن احتفوا بها ومجّدوا حساسيتها،

•ومن برّروا الموقف بعاطفة مفرطة، وكأن كل ما هو عاطفي مقدّس ومحصّن من النقد.

ورغم أن البكاء لم يكن مفتعلًا أو تمثيليًا، بل عفويًا، إلا أن المشهد يطرح أسئلة جوهرية:

ما الذي يدفع طفلة في هذا العمر إلى هذا الانغماس العاطفي الحاد؟

ولماذا نسارع كمجتمع إلى إما التبرير أو التقديس أو التنمّر… دون فهم السياق التربوي والنفسي الأعمق؟

أرى أن هذا النمط من المبالغة في التعبير العاطفي غير المنظم، إن لم يُحتوَ أو يُوجَّه بشكل صحيح، قد يكون مؤشرًا إنذارًا مبكرًا لخلل في البناء الانفعالي للطفل، ويُمهّد الطريق لاحقًا لتكوّن سمات اضطرابية من الفئة B، خاصة:

الشخصية الهستيرية (التي تبحث باستمرار عن الانتباه عبر المبالغة والتضخيم)،

الشخصية الحدّية (المتقلبة عاطفيًا، والخائفة من الهجر)،

وفي بعض الأحيان سمات من الشخصية النرجسية (التي تربط قيمتها الذاتية برؤية الآخر لها).

ما الذي يدعم هذا الرأي؟

1.نظرية التنظيم الانفعالي (Gross, 1998):

الطفل الذي يُكافأ على البكاء والانهيار يتعلّم أن “المبالغة = انتباه”، مما يعزز نموذجًا انفعاليًا هشًا وغير متزن.


2.النظرية التحليلية:

الإشباع العاطفي دون توجيه يُنتج تثبيتًا نرجسيًا أو هستيريًا، حيث تُختزل قيمة الذات بردود فعل الآخرين.

3.نظرية التعلّق (Bowlby & Ainsworth):

أنماط التعلق القلق والفوضوي تظهر عند غياب الضبط الانفعالي، ما يُمهّد لاضطرابات في الشخصية لاحقًا.
4.دراسات تطبيقية:

Linehan (1993): أوضحت أن غياب الحزم في الطفولة يؤدي لتطور اضطرابات حدّية.

Johnson et al. (2005): ربطت بين الإفراط العاطفي في التربية وسمات هستيرية ونرجسية خاصة لدى الفتيات.

خلاصة القول من موقعي كأخصائي نفسي:

التربية العاطفية لا تعني الانفجار، ولا التصفيق للدموع، بل تعني: احتواء المشاعر وتوجيهها، لا استعراضها.

التحليل الاجتماعي: حين تتحوّل العاطفة إلى رأسمال رمزي

من منظور علم الاجتماع، يرى العديد من المفكرين أن الاستعراض العاطفي الذي يغزو المنصات اليوم ليس بريئًا، بل يُعبر عن خلل ثقافي أعمق:

إميل دوركايم يرى أن المجتمع حين يفقد التوازن بين الفرد والجماعة، تنتشر فيه السلوكيات الانفعالية كوسيلة تعويض عن المعنى المفقود.

•بيير بورديو وصف العاطفة في الإعلام بـ”الرأسمال الرمزي”، حيث تُكافأ الانفعالات وتُروّج كأداة للصعود والقبول الاجتماعي.

هربرت ماركوز أشار إلى أن الإنسان الحديث يُستَهلَك عاطفيًا في بيئة تُغذّي الإثارة والانفعال على حساب الوعي والنقد.

أما ابن خلدون فحذّر منذ قرون من أن الترف وقلب الأدوار داخل الأسرة يؤديان إلى تفكك العمران وانحدار الأمم.


أزمة في فهم “التعبير العاطفي”

لقد باتت بعض البيئات التربوية تُكافئ المبالغة العاطفية، وتُهلل لأي تعبير درامي باعتباره علامة نضج، وتُروّج لشعار:

“ممتاز إنها بتعبّر عن مشاعرها!”

لكن، دعونا نكون واقعيين:

هل التعبير الحقيقي عن المشاعر يعني السماح لطفلة بأن تغرق في انفعال لا تُدرك حدوده؟

هل غياب التوجيه والانضباط يُعَدّ “تربية حديثة”؟

متى أصبح الانهيار العاطفي علامة قوة بدلًا من أن يكون مؤشر هشاشة؟

الحقيقة أن “التربية الإيجابية والتربية الحديثة” تم تفريغها من معناها، وتحولت إلى مسخ تربوي ناعم، يخشى الحزم، ويروّج للتسيّب العاطفي تحت مسمى “حرية التعبير”.

السؤال الحقيقي

في ضوء كل ذلك، لا يكون السؤال:
“لماذا بكت الطفلة؟”

بل:
“لماذا استهلكنا دمعتها؟ لماذا لم نحترم خصوصيتها؟ ولماذا انقسمنا بين التنمر والتقديس والتبرير… دون فهم حقيقي لجذر الظاهرة؟”

الطفولة ليست مسرحًا… بل أمان ومسؤولية

الطفولة لا تحتاج إلى:

تصفيق عندما تبكي،

ولا تنمّر حين تتألم،

ولا تبرير أعمى تحت ستار “حرية التعبير”.

بل تحتاج إلى:

تربية تعلّم التنظيم الانفعالي لا الانفجار،

بيئة تحتوي المشاعر وتضع لها حدودًا تحميها،

وراشدين يُربّون على النضج… لا يُهلّلون لانفعالات أطفالهم لمجرد أن الكاميرا التقطتها.

ختامًا من موقعي كأخصائي نفسي إكلينيكي:

الطفل الذي لا يتعلّم أن يبكي في الخفاء عندما يحتاج، سيكبر ليصرخ أمام الجميع عندما لا يحتاج… فقط ليشعر بأنه موجود.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :