التعديلات الوزارية: عبء سياسي وتدوير نخبوي لتسكين الأزمات بلا محاسبة
صالح الشرّاب العبادي
05-08-2025 01:58 PM
في وقت تتصاعد فيه الضغوط الاقتصادية وتتراكم الملفات الاجتماعية الساخنة، يتم اللجوء إلى التعديلات الوزارية كإجراء يبدو شكليًا أكثر منه بنيويًا، ويُسوَّق إعلاميًا على أنه “تجديد” و”ضخ دماء جديدة”. غير أن هذا التكرار في تغيير الوجوه، دون تغيير حقيقي في الأداء أو السياسات، يعكس نمطًا مأزومًا في إدارة الدولة أكثر مما يعكس استجابة جدّية لمطالب الشعوب أو تحديات المرحلة.
التعديل الوزاري في صيغته السائدة لا يعكس مساءلة، بل إنكارًا لها.
لا نرى تقارير تقييم معلنة لأداء الوزراء الخارجين، ولا نعلم ما إذا كانت إقالاتهم بسبب ضعف الأداء، أم ضغوط داخلية، أم صراعات توازنات ، كما أن الأسماء البديلة، في كثير من الحالات، تأتي من ذات الحلقات الضيقة المعروفة، ضمن دائرة “الوجوه الآمنة” التي لا تضمن الكفاءة والإبداع والعمل من اجل مصلحة الوطن والمواطن ، والمبادرة ، بل الجمود والتسكين وترحيل الأزمات .
وفي ظل ما تشهده المنطقة من تحديات غير مسبوقة—من اضطرابات اقتصادية خانقة، إلى احتقان اجتماعي متصاعد، إلى تغيّرات إقليمية كبرى—تبدو هذه التعديلات كأنها محاولة لامتصاص الغضب أو تسكين الأزمات، لا معالجتها.
بدلًا من التغيير الجذري في النهج، نرى تكرارًا للواجهة.
المواطن لا يلمس فرقًا في حياته اليومية. المشاكل تتجذّر: البطالة، الغلاء، ضعف الخدمات، انكماش الحريات. وفي المقابل، لا يُسأل الوزراء عن نتائجهم، ولا يُقاس نجاحهم أو فشلهم أمام البرلمان أو الناس. يصبح التعديل في حد ذاته إنجازًا إعلاميًا، لا خطوة في مشروع إصلاحي متكامل.
إن المرحلة التي نمر بها اليوم تتطلب قرارات جذرية، وإعادة تعريف لمفهوم “المسؤولية العامة”، لا مجرد التبديل بين النخب ذاتها ، فالمجتمعات أصبحت أكثر وعيًا، ولم تعد تقبل التجميل الإعلامي للواقع، ولا الاكتفاء بالخطابات الفضفاضة.
المطلوب ليس تعديل أسماء، بل تعديل فلسفة النهج ذاتها.
محاسبة شفافة، معايير واضحة، كفاءات وطنية حقيقية، وإرادة سياسية لكسر الحلقة المفرغة ، حينها فقط، يمكن للتعديل الوزاري أن يتحول من عبء إلى أداة إصلاح، ومن وهم تغييري إلى مسار حقيقي للاستجابة للمواطن وهمومه.