قصص نجاح كثيرة لشركات قادها رواد أعمال يتمتعون بحس تجاري قوي، أو أعاد هيكلتها مدير تنفيذي بارع في فنون الإدارة. هل تنطبق هذه الوصفة على مؤسسات الإعلام؟ التطبيق العملي الذي نراه يجيب: لا يمكن، وذلك لسببين جوهريين يتعلقان بطبيعة المنتج والعاملين فيه. محاولة إدارة هؤلاء المبدعين بنفس الأدوات التي تُستخدم لإدارة موظفي خط إنتاج أو قسم محاسبة بمثابة عزف لحن على آلة حاسبة.

السبب الأول: "الموظف" في المؤسسات الإعلامية لا يتعامل مع تروس في آلة يمكن توقع أدائها بناءً على كتيب تشغيل، بل هي تتعامل مع مبدعين، صحفيين يحملون أقلامًا جريئة، كتابًا ينسجون عوالم من الكلمات، مخرجين يحولون الأفكار إلى صور حية، مصممين يبدعون هويات بصرية. هؤلاء الأفراد هم رأس المال الحقيقي للمؤسسة، وقودها الذي يدفع عجلة الإبداع والابتكار، فالعمل الإبداعي يتطلب بيئة تفهم وتحتفي بالحرية الفكرية، وتشجع على التجريب، وتمنح الاستقلالية. الموظف المبدع لا يحفزه نظام صارم للمكافآت والعقوبات التقليدي.

المنتج الإعلامي غالبًا ما يكون "معلومة، فكرة، ترفيه، أو رأي"، هذه القيم غير مادية، وتخضع لتفسيرات الجمهور وتفاعله. ما يراه شخص ما طرف خيط قيّمًا، قد يراه آخر مجرد كلام، وهنا نأتي للسبب الثاني المتعلق بـ "الجمهور".

المؤسسة الإعلامية لا تبيع منتجًا بل تدير "جمهورًا" له احتياجاته وتوقعاته الخاصة، النجاح في هذا المجال لا يُقاس فقط بحجم الأرباح، بل أيضًا بمدى قدرة المؤسسة على فهم هذا الجمهور والتأثير فيه، وهذا يتطلب خبرة عميقة في "دراسات الجمهور والإعلام"، وفهمًا دقيقًا للاتجاهات الإعلامية المتغيرة باستمرار، خاصة في ظل ثورة وسائل التواصل الاجتماعي التي حولت الجمهور من متلقٍ جامد إلى مشارك فاعل.

للإعلام تأثير هائل على الرأي العام، الثقافة، والقيم المجتمعية. القرارات الإدارية في المؤسسات الإعلامية تحمل "مسؤولية اجتماعية وأخلاقية" تتجاوز مجرد تحقيق الأرباح، مدير الأعمال الذي يفتقر إلى فهم هذه الأبعاد قد يتخذ قرارات كارثية، حتى لو بدت منطقية من منظور اقتصادي.

إدارة المؤسسات الإعلامية لا تُقاد بمدير عادي بل تُقاد بإعلامي، لأنها تتطلب مزيجًا من الفهم للإدارة، والإلمام بطبيعة العمل الإبداعي، والخبرة في التعامل مع الجمهور والتأثير فيه، بالإضافة إلى الوعي بالمسؤولية الاجتماعية والأخلاقية. لا يمكن لأي مدير أعمال درس "تحقيق الأرباح" أن ينجح في قيادة مؤسسة مؤثرة.