من أرشيف الذاكرة .. التجربة الحزبية والطمع في المناصب والمكاسب
امجد عدنان الجميعان
06-08-2025 02:23 AM
"شاهد على العصر " ..
مجرد رأي ؛ لهذا السبب فشلت التجربة الحزبية في الأردن
حدث قبل اربعةٌ وخمسون عاماً..
"تغيير ومواقف ومصالح حسب ما تقتضيه الحاجة والهدف المناصب فقط".
*حدث في سبعينيات القرن الماضي والشاهد طفل بالتاسعة من العمر ..
"بالطبع بعد مرور اكثر من خمسون عامًا على أي حدث من الممكن نشره أو الكشف عنه ؛ ولكن بدون ذكر اسماء وشخصيات للمحافظة على العلاقات والروابط الأخوية بين ابناء الاسرة الواحدة "
ما زلت أذكر شخصياً الفترة التي سيطرت بها التنظيمات الفلسطينية على مدينة مادبا سنة 1970; عندما كنت في التاسعة من العمر ؛ وقد منعت التنظيمات الفلسطينية حركة العسكريين من الجيش العربي وطُلب منهم البقاء في منازلهم؛ وكان ومنهم والدي والذي كان برتبة ملازم في الثقافة العسكرية بذلك الوقت .
وأذكر تماما زيارات متوالية الى منزل والدي من عدد من رجالات مادبا، يعرضون عليه الاستسلام للتنظيمات والتخلي عن البدلة العسكرية بالانضمام لصفوف المقاومة حسب تعبيرهم، مقابل بعض العروض وكان ذلك على مسامعي ( لا يمكن ان أنسى تلك الايام ) ولن أنسى الذين قدموا تلك العروض، وهم الان في "دار الحق" وأن ما قالوا لوالدي بأن الجيش العربي وبالذات اللواء المدرع الاربعين قد هُزم بعد اشتباكات مع الجيش السوري وعلى الحدود الشمالية .
وأذكر أن والدي لم يقتنع أبدا وقال لي بالحرف الواحد:" لا يمكن هزيمة هذا اللواء المدرع"، وقال والدي هذا الكلام كله كذب وافتراء .
بالطبع والدي كان وقتها برتبة ملازم ثانٍ بالجيش العربي ومدرس لغة انجليزية في الثقافة العسكرية؛ وكان إيمانه وإخلاصه للجيش العربي مطلق "كان وما زال ولم تتغير المواقف ابداً".
وبالطبع في تلك الفترة وبما أنه كان ضابط بالجيش ، كان محظور عليه الخروج الى الشارع حسب أوامر التنظيمات المسلحة والاحزاب اليسارية الداعمة للحركة الفدائية بذلك الوقت، وكنا نعتمد على أحد الشباب من الأقرباء لإحضار حاجاتنا المنزلية من الطعام وغيرها .
وأذكر بعد فترة من الحجز داخل المنزل، شعر والدي بالضجر، وقال لي:" تعال معي لننزل سوية الى دكان تحت المنزل والتي تبعد فقط بضعة أمتار لنشتري بعض الحاجيات ونعود فوراً".
وبالفعل رافقت والدي وما أن دخلنا الشارع الرئيسي واذا برجلين من أبناء مادبا المناضلين !!!!!, كانا واقفين بالشارع وهم الان بالطبع "بدار الحق"، فقد أوقفا والدي على الفور وقالوا له بالحرف الواحد وبعصبية: أبو امجد نزولك للشارع "تحدي للثورة" إرجع على البيت أحسن لك .
طبعا انا طفل بالتاسعة ؛ أثار استهجاني هذا التصرف والأوامر التي وجهت لوالدي وخاصة لمعرفتي بهولاء جيداً ، وطبعا كطفل بالتاسعة كنت أعتبر مثل هذا التصرف من قبلهم خيانة عظمى للوطن والجيش وهم في نظري يستحقون السجن والاعتقال اذا ما عادت سيطرة الجيش على المدينة .
ومع هذا لم يجادلهم والدي وعدنا أدراجنا للبيت ولم نكمل المشوار .
لا يمكن نسيان هذا الحدث وشخصياته الثورية !!!! والتي كانت فعلا تتصرف بسلوك مقنع ؛ ولغاية الان ولم استطيع نسيان اللهجة الثورية والثقة التي تحدثا بها وكأن الاردن فعلاً قد سقط .
وبعد اسابيع محدودة من سيطرة التنظيمات الفلسطينية على مادبا ، أعادت قواتنا المسلحة السيطرة على مادبا ولم يتم اعتقال هولاء المناضلين ابداً ، وعاد والدي للعمل كمدرس بالثقافة العسكرية؛ ومرت عدة سنوات عشناها بصعوبات مادية لا يعلمها إلا الله، ولكن ما أثار دهشتي بعد تلك الفترة ( أي بعد سيطرة الجيش على مدينة مادبا ) ان الذين طلبوا من والدي العودة للبيت ( الثوار !!!!) ومدعي التأييد للثورة بذلك الوقت، استلامهم مناصب رفيعة وحساسة في الحكومة الاردنية، وتزامنت بتقدم واضح بالوظيفة والدرجات الحكومية وتحسن واضح بالأوضاع المادية وأذكر الحفلات وخاصة الغناء والعود والطرب التي كانت تقام بمنازلهم .
وأذكر جيدا ان أوضاعنا المادية أخذت بالتدهور مما أضطر والدي بإحالة نفسه على التقاعد والذهاب للعمل بسلطنة عُمان لاكثر من عشرين سنة بعد ذلك .
واذكر جيداً زيارة احد الاقرباء الى منزل والدي بعد عدة سنوات من الاحداث اعلاه ؛ وقال امامي بأن والدي قد قبض ثلاثون الف دينار مقابل خدمات قدمها الاجهزة الامنية اثناء سيطرة التنظيمات الفلسطينية على مادبا !!! وضحك والدي وقال:" لو معي هذا المبلغ !!!!" وضحكت وضحكنا كثيراً وخاصة لانني كنت على اطلاع بالصعوبات المادية التي نواجهها واعرف ماذا يملك والدي بالضبط !!!.
وأذكر انه وبتلك الفترة تُقدم الثوار الوظيفي وتُقدم اقربائهم واصدقائهما وأحفادهم على كافة الأصعدة وخاصة علاقتهم بالحكومة والاجهزة الامنية، ولم يحتاج معظهم حتى التفكير بالعمل خارج الاردن او الهجرة .
شراء الفلل والمزارع والحفلات؛ وكان الواضح بتلك الفترة وما تلاه كان لابد من اختيار كبش فداء او خرفان لاتهامها بالعمالة للنظام على حد تعبير المناضلين للتمويه ولترك المناضلين القيام بالأدوار المرسومة لهم .
والدي الان شارف على التسعين من العمر والذاكرة لا تسعفه كثيراً، ولكن عندما اردد جملة "يا ابو امجد نزولك الشارع تحدي الثورة " يتذكر وبسرعة ويضحك كثيراً. ويعيد ذكر اسماء هولاء مدعيين النضال وأشباه الشرفاء .
بالطبع مثل هذه القصص لا يمكن نسيانها وشخصيات هذه القصة لا يمكن ان تُنسى وهي تعبير عن واقع حقيقي عشناه وما زلنا نعيشه وعلى مبدأ .
"المادة لا تُفنى ولا تستحدث بل تتحول من شكل الى اخر "وهذه الاحداث تؤكد ان النزعات العشائرية والسياسية هي على المناصب فقط؛ واسبابها احقاد وحسد لا اكثر ، والوطن في آخر القائمة وتغيير المواقف حسب العرض والطلب !!!!! .
أقولها الآن؛ وبعد أربع وخمسين سنة من تلك الأحداث بأننا لم نغيّر قناعتنا وحبنا الحقيقي للوطن ثوابت لا يعتمد على مبدأ العرض والطلب ؛ ولم نكن ابداً من الجياع والباحثين على المناصب والالقاب الجوفاء وقد علمنا والدي بأن الكرامة وعزة النفس لا مجال المزاودة عليها.
*الله يرحم جميع الاموات وخاصة ان معظم أبطال هذه الاحداث هم الان في دار الحق ؛ باستثناء والدي ولكن وضعه الصحي الان صعب..