المغتربون الأردنيون حصن الأمان الاجتماعي ورؤية لمستقبل الشراكة (1-2)
فارس متروك شديفات
09-08-2025 02:34 PM
يشكل المغتربون الأردنيون حصن أمان اجتماعي لأسرهم ومجتمعهم، ويُسهمون بفاعلية في بناء مستقبل الأجيال القادمة، هذا العطاء يستدعي رؤية استراتيجية لتعزيز الشراكة معهم، تضمن استدامة عطائهم وتعمق ارتباطهم بالوطن.
ففي قلب كل مغترب أردني، تسكن عائلته ووطنه، والتحويلات المالية ليست مجرد أرقام، بل هي أيادٍ حانية تمتد لتخفف وطأة الحياة عن اسرهم في الأردن، وتُشكل شبكة أمان اجتماعي لا غنى عنها، فهذه الأموال تُستخدم بشكل مباشر لتحسين مستوى الحياة ودعم الأسر، ولتغطية تكاليف المعيشة اليومية، وتأمين احتياجات الأساسية، ومواجهة الأعباء الاقتصادية المتزايدة.
تشير المصادر المتعددة، الى ان حوالي (34 %)من الأسر في الأردن تعتمد على تحويلات المغتربين كمصدر لدخلها السنوي، هذا الاعتماد على التحويلات يبرز دورها كشبكة أمان اجتماعي فعلية، خاصة لأكثر شرائح المجتمع ضعفًا، فالأسر التي ترأسها نساء تعتمد على الإيجارات والتحويلات بنسبة تصل إلى (69) من مجموع متوسط دخلها السنوي، بينما يعتمد كبار السن الذين يرأسون أسرهم على التحويلات المالية بنسبة(45.3) ،هذا الاعتماد يؤكد الدور الحيوي للمغتربين في الحفاظ على استقرار هذه الأسر وحمايتها من الوقوع في دائرة الفقر والعوز.
فأي اضطراب في هذه التدفقات، سواء بسبب الأزمات الاقتصادية او السياسية في البلدان المضيفة أو الأوبئة العالمية، سيكون له عواقب اجتماعية وخيمة وفورية، مما قد يزيد من الفقر وعدم الاستقرار، وهذا يعني أن برامج الرعاية الاجتماعية الحكومية ، قد تُستكمل أو حتى تُعوض ضمنيًا بهذه التحويلات الخاصة، مما يجعل مساهمة المغتربين أكثر أهمية للتماسك الاجتماعي.
لا يقتصر عطاء المغتربين على تلبية الاحتياجات اليومية، بل يمتد ليشمل استثمارًا بعيد المدى في مستقبل أجيالهم، ويحرص المغتربون على توفير أفضل فرص التعليم لأبنائهم، سواء في الأردن أو في دول الاغتراب، إيمانًا منهم بأن التعليم هو مفتاح الارتقاء والتقدم، كما تُسهم هذه التحويلات في تأمين الرعاية الصحية اللازمة لأفراد أسرهم، مما يضمن لهم حياة كريمة وصحية.
ورغم عدم توفر بيانات تفصيلية حول حجم الإنفاق على التعليم والصحة من التحويلات، إلا أن طبيعة الأسر الأردنية تُظهر أولوية قصوى لهذه القطاعات، ويلاحظ أن المغتربين لا يقدمون إغاثة فورية فحسب، بل يساهمون بنشاط في الإنتاجية المستقبلية ورفاهية الجيل القادم في الأردن، مما يقلل العبء والضغط على الخدمات العامة، ويخلق قوة عاملة أكثر مهارة وصحة، وكل ذلك يدعم بشكل غير مباشر أهداف التنمية الوطنية، وهذا يعني أيضًا أن السياسات التي تشجع مثل هذه الاستثمارات، مثل الإعفاءات الضريبية للتحويلات المتعلقة بالتعليم أو الصحة، يمكن أن تضاعف هذا التأثير الإيجابي على تنمية رأس المال البشري.
تقديرًا لهذا العطاء اللامحدود من المغتربين الاردنيين ، وحرصًا على تعزيز الشراكة الوطنية معهم، من المناسب ان تقوم الدولة بمؤسساتها المختلفة بترجمة هذا التقدير إلى مبادرات وحوافز وسياسات وإجراءات ملموسة، تُشعر المغتربين وتؤكد لهم بأنهم جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني، وأن جهودهم مقدّرة ومثمنة، من خلال تقديم حوافز واضحة ومغرية لهم ، اقتصادية وتشريعية لتعزيز الاستثمار والاستفادة من خبراتهم، ولضمان استمرارية تدفق التحويلات وتوجيهها نحو القطاعات المنتجة، كذلك إنشاء صندوق استثماري خاص بالمغتربين، يتسم بالشفافية في مشروعاته وإدارته، ويقدم حوافز واسعة وجادة، وتعميم وتطوير منصة استثمارية رقمية متكاملة شاملة، توفر كافة المعلومات عن البيئة الاستثمارية والتشريعات والقطاعات ذات الأولوية، مع التواصل الفعال عبر السفارات الأردنية.
ومن الحوافز التي يمكن ان تقدم للمغتربين الاردنيين دراسة إمكانية تقديم حوافز ضريبية للمغتربين الذين يستثمرون في قطاعات استراتيجية أو يُعيدون توطين أعمالهم في الأردن، مع التأكيد على أهمية عدم عرقلة الاستثمار بقوانين واجراءات بيروقراطية ، واستمرار وتوسيع برامج القروض السكنية الميسرة للمغتربين، التي تقدمها البنوك الأردنية، مما يشجع المغتربين على الاستثمار في العقارات السكنية في وطنهم.
وانطلاقا من قيمنا الاصيلة بالوفاء والتقدير، فإننا نقف إجلالًا وتقديرًا لأرواحٍ لم يغب عنها الوطن يومًا، لقلوبٍ نبضت بحبه رغم المسافات، ولأيادٍ امتدت بالعطاء لتسند بنيانه.
المغتربون الأردنيون، ابناء شعبنا الكرام .....أنتم قصة نجاحٍ وكفاحٍ تُروى في كل بقاع الأرض، أنتم الدرع الاقتصادي، وحصن الأمان الاجتماعي، وسفراء الأردن الأوفياء.
من أعماق القلب، شكرًا لكم، أيها الأردنيون المغتربون، على كل قطرة عرق، وكل دينار أرسلتموه، وكل دعاء رفعتموه لوطنكم، أنتم جزء أصيل من فخر الأردن وعزّه، وستبقون دائمًا في قلب الاردنيين والوطن ووجدانهم.