118 ألف ناجح .. أين يذهبون؟
د. ماجد عسيلة
10-08-2025 11:32 AM
تجاوز عدد الناجحين في امتحان شهادة الثانوية العامة هذا العام حاجز ١١٨ ألف طالب وطالبة، وهو رقم كبير يترجم نجاح جيل كامل في اجتياز مرحلة مفصلية من حياته.
بعيدا عن الفرح والتهاني، يقف سؤال جوهري أمام الأسر وصناع القرار: "إلى أين يذهب هؤلاء جميعا"؟
الجامعات الحكومية رغم توسعها، لا تستطيع استيعاب أكثر من ثلث هذا العدد سنويا، وحتى مع انضمام الجامعات الخاصة التي قد تستوعب ما يقارب ٣٠ ألفا، تبقى فجوة بعشرات الآلاف من المقاعد الشاغرة في طموحات الطلاب، وهنا تتضح الهوة بين حلم الشباب الواسع وقدرة النظام التعليمي التقليدي على تلبية هذا الحلم.
المجتمع الأردني بطبيعته يعشق التعليم، ويرى فيه سلم الارتقاء والحراك الاجتماعي والاقتصادي، بل وحتى رمزا للمكانة والاعتبار، لكن هذا العشق تحول أحيانا إلى اعتماد مفرط على "الشهادة الجامعية" وكأنها الخيار الوحيد للمستقبل، في حين أعاد العالم من حولنا تعريف التعليم بعد الثانوية بطرق أكثر مرونة وارتباطا بسوق العمل.
الحلول الممكنة لا تقتصر على زيادة مقاعد الجامعات، بل تشمل التعليم التطبيقي والمهني المتقدم، من خلال إنشاء وتوسيع كليات المجتمع التقنية المتخصصة في مجالات الهندسة التطبيقية، تكنولوجيا المعلومات، الطاقة المتجددة، والصناعات الإبداعية، إلى جانب تصميم برامج تدريبية معتمدة دوليا تستمر من سنة إلى ثلاث سنوات تفتح الباب أمام العمل فورا أو استكمال الدراسة لاحقا.
كما يمكن الاستفادة من التعليم المرن والشراكات العالمية عبر إطلاق برامج للتعليم عن بعد بالتعاون مع جامعات مرموقة، مع ضمان الاعتراف المحلي بالشهادات، وتمكين الطلاب من دراسة تخصصات نوعية لا تتوفر محليا، مع دعم حكومي جزئي أو كلي، وربط ذلك مباشرة مع سوق العمل من خلال شراكات مع القطاع الخاص لتوفير تدريب منتهي بالتوظيف، وتأسيس حاضنات أعمال للشباب لتمويل مشاريع ناشئة في مجالات التكنولوجيا، السياحة، الزراعة الذكية، وغيرها.
لا يمكن تجاهل أهمية تغيير الثقافة السائدة عبر حملات توعية تعيد الاعتبار إلى العمل المهني والتقني، وتظهر قصص نجاح لأشخاص حققوا إنجازات كبيرة خارج القاعات الجامعية، فضلا عن جعل التخصصات المطلوبة في سوق العمل أكثر جاذبية عبر حوافز مالية وفرص توظيف واضحة.
إن مواجهة هذا التحدي ليست مسؤولية وزارة التعليم العالي وحدها، بل هي قضية وطنية تتطلب تنسيقا بين الحكومة، القطاع الخاص، والمجتمع المدني، لأن الاستثمار في جيل اليوم هو الضمانة الحقيقية لمستقبل الأردن.