ديمقراطية تسفك الحقيقة: حين تتحول الكلمة إلى هدف عسكري
صالح الشرّاب العبادي
11-08-2025 05:31 PM
منذ اللحظة الأولى لولادة هذا الكيان على الأرض الفلسطينية، كان القتل منهجه المفضل، ليس فقط بحق الإنسان، بل بحق الحقيقة ذاتها. فالاحتلال الإسرائيلي لم يكتفِ باحتلال الأرض، بل سعى لاحتلال الوعي، ولتحقيق ذلك، جعل الصحفيين والكلمة الحرة في مرمى نيرانه، في سياسة ممنهجة تستهدف إعدام الشهود قبل أن ينطقوا بالحقيقة.
حصيلة دامية بالأرقام
•حتى منتصف عام 2025، وثّقت لجنة حماية الصحفيين (CPJ) مقتل ما لا يقل عن 186 صحفياً وموظفاً إعلامياً منذ بدء حرب غزة، بينهم أغلبية ساحقة من الفلسطينيين. •تقارير ميدانية ترفع الرقم إلى أكثر من200 صحفي، ما يجعلها الحرب الأكثر دموية ضد الإعلاميين في التاريخ الحديث.
•عام 2024 وحده شهد مقتل 124 صحفياً في 18 دولة، أكثر من 70% منهم على يد إسرائيل، وهي نسبة غير مسبوقة عالمياً.
استهداف مقصود لا لبس فيه
عمليات القتل ليست نتيجة “أضرار جانبية” كما يزعم الاحتلال، بل جزء من استراتيجية محكمة:
•قصف مقار إعلامية وخيم صحفيين رغم وضوح الشارات الصحفية.
•استهداف مباشر للمصورين والمراسلين والفنيين أثناء تغطية الأحداث.
•ملاحقة الكلمة الحرة ومحاولة قطع شريان المعلومة قبل أن يصل إلى المتلقي.
• تغطية وإخفاء للعمليات اللاحقة والخطط وعمليات القتل والابادة والتهجير .
أبعاد محلية وإقليمية ودولية
•محلياً: الصحفي الفلسطيني أصبح آخر خطوط الدفاع عن الحقيقة، يعمل وسط حصار وتجويع وتهديد مستمر.
•إقليمياً: استنكار وشجب وإدانة عن الجرائم الممنهجة ، لكن بدون اثر فعلي او وقف لها ، مما يعمّق الجرح ويطيل أمد الرواية الصهيونية المهيمنة على المشهد ، في ظل هيمنة لدولة مارقة تدير ظهرها لكل القرارت مهما كان مصدرها ..
•دولياً: البيانات الأممية ومنظمات حقوق الإنسان تتوالى، لكن غياب الإرادة السياسية لمحاسبة الجناة يجعل القتل بلا تكلفة حقيقية.
قتل الصحفيين في فلسطين وغزة تحديداً ليس حادثاً طارئاً ولا فعلاً استثنائياً، بل هو استمرار لنهجٍ بدأ منذ نشأة الاحتلال، هدفه الأساسي إخفاء الجرائم وطمس الشواهد وتزييف التاريخ.
في هذه الحرب على الكلمة، يسعى الاحتلال إلى أن يحتكر الحقيقة، لكن دماء الصحفيين تبقى الشاهد الذي لا يمكن محوه، والصوت الذي يصرخ في وجه الظلم:
الحقيقة لا تموت… حتى لو اغتالوها ألف مرة.