من البطالة إلى الريادة والإنتاج: مراكز تطوير الأعمال في المحافظات
م. عمار آل خطّاب
12-08-2025 02:27 AM
في وطننا الحبيب الأردن، حماه الله وحمى قيادته وشعبه، يشكّل الشباب النسبة الأكبر من السكان، وهم طاقة بشرية هائلة تُعدّ المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي والتنمية المستدامة. ومع ذلك، تواجه هذه الطاقات الشابة تحديات كبيرة تتمثل في محدودية فرص العمل المتاحة مقارنة بحجم الباحثين عنها، مما يستدعي منا توفير بيئة مناسبة تمكّنهم من تحويل طاقاتهم إلى فرص إنتاجية وريادية حقيقية.
أمام هذا الواقع، برزت ريادة الأعمال كأحد الحلول الإستراتيجية لمواجهة البطالة، ليس عبر انتظار فرصة عمل، بل بصناعة الفرصة وابتكار مشاريع إنتاجية وخدمية جديدة. لكن التحوّل من عقلية "البحث عن وظيفة" إلى "صناعة المشروع" لا يحدث تلقائيًا؛ فهو يحتاج إلى بيئة حاضنة، وبرامج تدريبية عملية، وتجربة واقعية تمكّن الشاب من خوض رحلة إدارة المشروع خطوة بخطوة، من الفكرة وحتى التسويق والإدارة المالية.
من خلال خبرتي الميدانية وعَمَلي التطوعي في مساعدة بعض روّاد الأعمال الشباب في الأردن على تطوير أفكار شركاتهم الناشئة، لاحظت أن البنية الداعمة لريادة الأعمال ما زالت محدودة، إذ لا يتجاوز عدد الحاضنات الخاصة أصابع اليد الواحدة، ومعظمها يتمركز في العاصمة عمّان. أما المحافظات، بل وحتى كثير من أحياء العاصمة نفسها، فهي تكاد تفتقر إلى أي جهة حكومية أو مجتمعية تؤدي هذا الدور.
ومن هنا وُلِدت فكرة "مراكز تطوير الأعمال" كمشروع وطني يهدف إلى نقل خدمات التدريب، والدعم الفني، والتجربة الإنتاجية المباشرة إلى قلب المحافظات، بحيث تصبح هذه المراكز منصات حقيقية لتمكين الشباب وتحويلهم من طالبي وظائف إلى صانعي فرص عمل مستدامة.
مراكز تطوير الأعمال وتنمية الريادة عند الشباب
الريادة ليست مجرّد امتلاك فكرة مبتكرة، بل هي القدرة على تحويل هذه الفكرة إلى مشروع واقعي قابل للاستمرار والنمو. وفي هذا السياق، تأتي مراكز تطوير الأعمال كمنصات مجتمعية متخصصة في دعم رواد الأعمال المحتملين من الشباب في المحافظات، بهدف تحويل أفكارهم إلى مشاريع إنتاجية قابلة للنمو والاستدامة. ويمكن اعتبار هذه المراكز بمثابة حاضنات أعمال محلية قريبة من الفئة المستهدفة، تقدم التدريب العملي، الدعم الفني، والتجهيزات اللازمة للانطلاق، بدلًا من انتظار فرص توظيف محدودة قد لا تأتي. وحتى يتحقق هذا التحوّل، يجب العمل على مستويين أساسيين: تغيير طريقة التفكير، وبناء المهارات العملية الممكّنة لريادة الأعمال.
تغيير طريقة ألتفكير:
• ترسيخ وعي محدودية الوظائف: عرض بيانات وأرقام حقيقية توضّح الفجوة الكبيرة بين عدد الخريجين والوظائف المتاحة في القطاعين العام والخاص، ليدرك الشاب أن البحث عن وظيفة ليس الخيار الوحيد.
• تعزيز الثقة بالنفس والرغبة في الاستقلال المالي: من خلال ورش تحفيزية وتدريبات عملية تمنح الشاب فرصة لإنجاز مشروع صغير واختبار شعور الإنجاز وتحقيق الدخل بنفسه.
• توضيح الفرق بين ريادة الأعمال والوظيفة: شرح الفوارق من حيث الاستقرار، حجم المخاطرة، فرص الربح، ودور الفرد في اتخاذ القرار، ليعرف الشاب طبيعة الطريق الذي يسلكه.
• زرع ثقافة المبادرة وتحمل المسؤولية: عبر مشاريع مجتمعية أو تجريبية صغيرة، يتحمل الشاب فيها مسؤولية كاملة عن التخطيط والتنفيذ والنتائج.
• عرض نماذج ملهمة محلية ودولية: قصص نجاح لأشخاص بدأوا من موارد محدودة ووصلوا إلى مشاريع ناجحة، مع تحليل خطواتهم وأخطائهم، لإلهام المتدربين وتشجيعهم.
• مواكبة المشاريع الناشئة عبر الإرشاد والمتابعة المستمرة (Mentorship) لضمان استدامتها ونموها.
بناء المهارات العملية وتقديم الدعم:
• المهارات الفنية: إتقان الحرفة أو الخدمة المستهدفة.
• المهارات التجارية: دراسة السوق، التسعير، التسويق.
• المهارات الإدارية: ادارة موارد بشرية، إدارة مخزون، عقود.
• المهارات الرقمية: تسويق إلكتروني، بيع عبر الإنترنت.
• المهارات الشخصية: مثل إدارة الوقت، التواصل الفعّال، التفاوض، وحل المشكلات.
• المهارات التخطيطية: إعداد خطة عمل، إدارة المخاطر، واتخاذ القرارات الاستراتيجية.
• المهارات المالية: محاسبة مبسطة، فهم التدفقات النقدية، إعداد الميزانيات، والتحكم في التكاليف.
• المهارات القانونية: فهم أساسيات القوانين التجارية والملكية الفكرية.
• إتاحة فرص التمويل الميسّر والدعم المرحلي: توفير قروض صغيرة أو منح انطلاقة مع متابعة وإرشاد، وربط الشباب بالمستثمرين وبالمؤسسات التمويلية أو صناديق دعم المشاريع.
• الربط بالسوق وشبكات الدعم: عبر معارض محلية، منصات بيع إلكترونية، واتفاقيات مع تجار أو شركات لتسويق المنتجات.
مشروع "مراكز تطوير الأعمال" في المحافظات هو فرصة استراتيجية لتحويل تحديات البطالة إلى قصص نجاح في الريادة والإنتاج. وبناءً على خبرتي الميدانية في دعم رواد الأعمال، أستطيع صياغة مقترح عملي متكامل لهذا المشروع، يشمل التفاصيل التنفيذية من:
• آلية الإنشاء بأقل التكاليف الممكنة، مع الاستفادة من الموارد المحلية وتبسيط الإجراءات.
• نظام العمل التشغيلي، الذي يضمن تقديم التدريب، الدعم الفني، والإرشاد بطريقة منهجية ومنسقة.
• الفئات المستفيدة، من الشباب الباحثين عن فرصة لتحويل أفكارهم إلى مشاريع ناجحة، ولا سيما في المناطق الأقل خدمة.
• آلية اختيار رواد الأعمال، بحيث تركز على الدافعية، الفكرة القابلة للتنفيذ، والالتزام.
• طريقة الإدارة والتشغيل، التي توازن بين الجانب التقني والمالي مع الاهتمام بالبُعد المجتمعي.
• المكونات الأساسية للمركز، من تجهيزات تقنية، ورش عمل، برامج تدريبية، وشبكات اتصال مع مؤسسات التمويل والسوق.
بذلك، تتحول مراكز تطوير الأعمال إلى بيئة متكاملة ومحفزة تشجع الشباب على الابتكار وتحقيق التنمية المحلية المستدامة، وتدعم جهود الدولة والمجتمع في بناء اقتصاد وطني قوي يعتمد على طاقات شبابية منتجة وريادية.