قد يراها البعض نقطة ضعف، بينما يعتبرها آخرون سرّاً من أسرار التفوق.
فحين تقترب لحظة الخطر، لا يرفع رجال الأمن شعار "الأولوية لغيري"، بل يتحرك كل واحد منهم ليكون في الصف الأول. ليس بدافع المجد الشخصي، وإنما بفطرة مهنية متوارثة، وبثقة عالية في القدرة على الحسم.
واجبات الأمن العام، سواء في الأمن الدبلوماسي أو حماية المنشآت أو التحقيقات الميدانية، تتطلب يقظة ذهنية دائمة، وبناء سيناريوهات مسبقة، وقراءة كل حركة في المشهد. هنا، يصبح التنافس على المبادرة جزءاً من منظومة الحماية، فالمتأخر عن الفعل قد يضيع اللحظة التي تُنقذ حياة أو تُحبط تهديداً.
لكن الوجه الآخر لهذه المعادلة يفتح باب النقاش: هل غياب الإيثار في لحظة المواجهة يرسّخ الفردية على حساب العمل الجماعي؟ أم أنه ببساطة ترجمة عملية لمبدأ "كلّنا في الخط الأمامي"؟
الواقع أن العقلية الأمنية الناجحة توازن بين الروح الفردية التي تدفع نحو المبادرة، وروح الفريق التي تضمن انسجام الجهود وتوزيع الأدوار.
المحقق الذي يحلل الموقف، والحارس الذي يثبت أقدامه، ورجل الدوريات الذي يتعامل مع الميدان، جميعهم يتحركون بصلابة جسدية ونظرة جادة، لكن سر قوتهم ليس في من يسبق الآخر، بل في أن كل واحد منهم مستعد لأن يكون الأول إذا تطلب الموقف.
هنا، يصبح "التنافس وعدم الإيثار" ليس عيباً، بل أداة ابداع، شرط أن يظل منضبطاً ضمن استراتيجية الفريق، وألا يتحول من شجاعة مهنية إلى استعراض شخصي.
وفي النهاية، تبقى معادلة التنافس وعدم الإيثار انعكاساً لجوهر رجل الأمن العام الذي يقف على خط الدفاع الأول عن الوطن والمواطن. من حماية الأرواح والممتلكات، إلى منع الجريمة قبل وقوعها، مروراً بتنظيم حركة السير في المدن والطرق الخارجية، وحراسة المنشآت الرسمية، وحماية النزلاء، وتفعيل الشرطة المجتمعية، ووصولاً إلى حماية البيئة ورعاية السياحة.
هذه الواجبات ليست مجرد مهام إدارية أو ميدانية، بل منظومة متكاملة تتطلب يقظة دائمة، واستعداداً نفسياً وجسدياً، وروح مبادرة لا تعرف التردد. هنا، يصبح التنافس شرفاً، وعدم الإيثار في لحظة الخطر ضرورة مهنية، والهدف النهائي واحد: أمن الوطن واستقرار المجتمع.