facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الأردن .. صمام أمان في قلب العاصفة


أ.د. أحمد منصور الخصاونة
14-08-2025 02:19 AM

منذ عقود، والمنطقة العربية تعيش حالة من الغليان السياسي والأمني، حيث تتداخل الحروب والنزاعات مع تحولات جيوسياسية عميقة، فتُعيد رسم الخرائط وتغيير موازين القوى. فالحروب الأهلية في بعض الدول، والصراعات الإقليمية المباشرة وغير المباشرة، لم تترك مجالًا للنمو أو الاستقرار، بل استنزفت موارد الشعوب، وأضعفت اقتصاداتها، وأثقلت أنظمتها الاجتماعية والسياسية. حتى الدول التي لم تكن طرفًا مباشرًا في هذه النزاعات، وجدت نفسها في قلب العاصفة، تدفع أثمانًا باهظة من أمنها واستقرارها ومقدراتها.

الأردن، الذي يتوسط قلب الإقليم ويقع على خطوط تماس مع بؤر الصراع الكبرى، وجد نفسه في موقع استراتيجي محفوف بالمخاطر، لكنه أيضًا حيوي في التأثير على المعادلات الإقليمية. ومنذ اندلاع الأزمات المتلاحقة، كان على المملكة أن تتعامل مع موجات غير مسبوقة من تدفق اللاجئين، سواء من فلسطين أو العراق أو سوريا، ما شكل عبئًا استثنائيًا على مواردها المحدودة وبنيتها التحتية وخدماتها الأساسية. هذا التدفق لم يكن مجرد تحدٍّ إنساني أو لوجستي، بل كان قضية أمن وطني ترتبط بالاستقرار الاجتماعي، والتماسك المجتمعي، وإدارة الموارد الشحيحة.

إدراك الأردن لطبيعة المخاطر التي تهدد استقراره جعله يضع الأمن الإقليمي في صميم أولوياته السياسية والدبلوماسية. فهو يرفض، وبحزم، السياسات الإسرائيلية القائمة على التوسع الاستيطاني وفرض الأمر الواقع في الضفة الغربية، ويؤكد على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. ومن منطلق دوره التاريخي ومسؤوليته الأخلاقية، يقود الأردن جهودًا دبلوماسية على أعلى المستويات لإنهاء العدوان على غزة، وتسهيل إدخال المساعدات الإنسانية بشكل عاجل وكافٍ، رافضًا أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية أو تقويض الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. والجدير ذكرة بأن، جلالة الملك عبدالله الثاني دورًا محوريًا في صياغة موقف الأردن إزاء الأزمات الإقليمية والتحديات الداخلية، مستندًا إلى رؤية استراتيجية تجمع بين الحزم السياسي والحنكة الدبلوماسية. فقد قاد جلالته تحركات مكثفة في المحافل الدولية للدفاع عن القضية الفلسطينية، ورفض سياسات التوسع الاستيطاني، والدعوة إلى وقف الحرب على غزة، وضمان وصول المساعدات الإنسانية. كما يواصل جلالته تعزيز علاقات الأردن مع القوى الإقليمية والدولية، وتوجيه الجهود نحو حماية الأمن الوطني، وتحصين الاقتصاد، ودعم مسار الإصلاح السياسي والاجتماعي، بما يحافظ على مكانة الأردن كركيزة استقرار في المنطقة.

وفي الملف السوري، يتعامل الأردن مع الأزمة من منظور شامل يجمع بين البعد الأمني والسياسي والاقتصادي. فاستقرار سوريا يعني تقليل مخاطر تهريب المخدرات والأسلحة وتسلل الجماعات الإرهابية عبر الحدود الشمالية، ويفتح الباب أمام إعادة الإعمار، وهو ملف تسعى المملكة إلى لعب دور محوري فيه بالتعاون مع دول الخليج والولايات المتحدة. هذه المقاربة ليست مجرد سياسة خارجية، بل هي امتداد لحماية الأمن الداخلي، وتجسيد لرؤية تقوم على أن استقرار الجوار شرطٌ لاستقرار الداخل.

لكن التحديات لا تقتصر على المحيط الإقليمي. فالأردن يواجه داخليًا ضغوطًا اقتصادية ومالية متراكمة، تتمثل في مديونية مرتفعة تلتهم حيزًا كبيرًا من موازنته، ونسب بطالة قياسية خصوصًا بين الشباب، ونمو اقتصادي متواضع لا يواكب حاجات التنمية. وزادت الحرب على غزة من حدة هذه التحديات، حيث تراجعت الإيرادات السياحية بسبب انحسار أعداد الزوار، في وقت يشكل فيه هذا القطاع رافعة أساسية للاقتصاد الوطني.

أمام هذا المشهد المعقد، تبقى معادلة الأردن دقيقة وحساسة: الحفاظ على الأمن الوطني والاستقرار الداخلي، مع الإبقاء على دوره الإقليمي كـ "صمام أمان" في منطقة تغلي بالأزمات، وفي الوقت ذاته، الدفع نحو إصلاح اقتصادي واجتماعي يعزز التنمية المستدامة ويتيح فرصًا حقيقية للأجيال القادمة. هذه المعادلة تتطلب قيادة سياسية واعية، ودبلوماسية نشطة، وإصلاحات اقتصادية جريئة، واستثمارًا ذكيًا في رأس المال البشري، مع التمسك بثوابت الأردن التاريخية في نصرة القضايا العادلة ودعم السلم الإقليمي.

هذا التوازن الذي يسعى الأردن لتحقيقه ليس مجرد سياسة ظرفية، بل هو نهج استراتيجي يربط بين الأمن القومي والانفتاح الاقتصادي والفاعلية الدبلوماسية، بما يضمن أن يبقى الأردن، رغم التحديات، واحة استقرار في محيط مضطرب، ونموذجًا لقدرة الدول الصغيرة جغرافيًا على لعب أدوار كبرى في صناعة الأمن والسلم الدوليين.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :