ألاسكا 2025: تقاسم ألنفوذ على حافة ألعالم
م. عمار آل خطّاب
14-08-2025 03:12 PM
لطالما كانت التطورات الجيوسياسية مترابطة بالاقتصاد العالمي، فالأزمات بين الدول غالبًا ما تُقاس تداعياتها بميزان المصالح التجارية وسلاسل الإمداد. وكما يقول المثل الفرنسي: ألإقتصاد هو عصب الحرب.
هذا الترابط يتجلى بوضوح في القمة المرتقبة الجمعة بين الرئيس الأمريكي والرئيس الروسي في ولاية ألاسكا، حيث يلتقي زعيما أكبر قوتين نوويتين على أرض تقع في قلب التنافس العالمي على القطب الشمالي. ورغم أن القمة تبدو في ظاهرها مكرّسة بالكامل للحديث عن وقف القتال في أوكرانيا، فإنها ستتطرق إلى ملفات أخرى كثيرة. بل إن اختيار ألاسكا كموقع للقمة ليس صدفة، بل رسالة جيوسياسية عن أن ألقطب ألمتجمد ألشمالي The Arctic أصبح ساحة لتقاسم النفوذ، وفرصة استراتيجية في التجارة والطاقة والملاحة البحرية.
القطب الشمالي اليوم لم يعد منطقة جليدية بعيدة عن النشاط البشري كما كان في الماضي. التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة أدّيا إلى ذوبان كميات أكبر من الجليد، ما فتح الباب أمام ممرات ملاحية جديدة. هنا يأتي دور ما يُعرف بـ Arctic Silk Road، وهو جزء من مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، حيث تعمل بكين بالتعاون مع موسكو على تطوير هذا الممر ليكون بديلًا أسرع وأكثر كفاءة للمسارات التقليدية.
اليوم، السفن الصينية التي ترغب في الوصول إلى أوروبا، تسلك المسار التقليدي عبر بحر الصين الجنوبي، ثم المحيط الهندي، فمضيق باب المندب، ثم قناة السويس وصولًا إلى البحر الأبيض المتوسط، ومنها إلى الموانئ الأوروبية. هذا المسار يستغرق حوالي 48 يومًا.
أما عبر الممر القطبي الشمالي، فإن الرحلة يمكن أن تختصر إلى نحو 28 يومًا فقط، أي توفير يقارب 20 يومًا من وقت الشحن، فضلًا عن خفض تكاليف الرسوم والعبور.
روسيا من جانبها تستثمر بشكل كبير في البنية التحتية لهذا الطريق، بما في ذلك بناء أسطول من كاسحات الجليد النووية القادرة على العمل على مدار العام، وهو ما قد يجعل الممر متاحًا 365 يومًا، الأمر الذي كان مستحيلًا قبل عقود.
الخلاصة: Arctic Silk Road ليس مجرد ممر بحري جديد، بل هو ساحة جديدة لتقاطع المصالح بين القوى الكبرى، وتحوّل استراتيجي قد يعيد رسم خرائط التجارة العالمية. الانعكاسات الاقتصادية لهذا التحول قد تمتد لتؤثر على ممرات تقليدية مثل قناة السويس، وبالتالي على اقتصادات دول محورية كمصر وغيرها، ما يفرض على الجميع إعادة التفكير في استراتيجياتهم اللوجستية والاستثمارية لمواكبة هذه المتغيرات.