ما بعد موجة الحر في الأردن .. متى تتحقق العدالة المناخية؟
د.علي سليم الحموري
15-08-2025 09:19 PM
شهد الأردن هذا الأسبوع موجة حر استثنائية، سجلت خلالها درجات الحرارة مستويات غير مسبوقة وصلت إلى 49.6 درجة مئوية. لم يكن الأمر مجرد حدث مناخي عابر، بل مؤشر على نمط عالمي متصاعد يفرضه "التغير المناخي"، ويجعل من هذه الظواهر واقعًا يتكرر بوتيرة متسارعة. ومع كل موجة، يزداد إلحاح السؤال: متى تتحقق العدالة المناخية للأردن؟
لقد كشفت هذه الموجة عن "هشاشة" الأردن أمام تقلبات المناخ، فبلد يعاني أصلًا من شحّ المياه يجد نفسه أمام ضغط هائل على موارده المائية والزراعية، وارتفاع في الطلب على الكهرباء للتبريد، ما يزيد العبء على البنية التحتية. أما على المستوى الصحي والاجتماعي، فقد سجلت حالات متزايدة من ضربات الشمس والجفاف، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر، مثل كبار السن والأطفال والعاملين في الميدان، وهو ما يسلط الضوء على ضرورة دمج البعد الصحي في خطط التكيف المناخي.
لكن الأثر لم يكن جسديًا فقط؛ فالمناخ القاسي ترك بصمته النفسية أيضًا. المواطنون غير المعتادين على درجات حرارة بهذا الارتفاع عاشوا حالة من "التوتر والضغط النفسي"، خصوصًا مع محدودية المساحات المكيّفة وصعوبة تفادي التعرض للشمس، بينما أسهم طول مدة الموجة في مضاعفة "الإرهاق الجسدي والذهني". اقتصاديًا، دفع العاملون في المهن المكشوفة الثمن الأكبر، إذ انخفضت قدرتهم على العمل لساعات طويلة تحت الشمس، ما انعكس على دخلهم اليومي وأمنهم المعيشي.
وفي خضم هذه التحديات، جاء تصريح مدير مديرية التغير المناخي في وزارة البيئة، بلال الشقارين، ليؤكد على ضرورة أن تكون موجة الحر هذه "درسًا" للاستعداد لموجات أشد في المستقبل، عبر إيجاد حلول مناخية جذرية، لا الاكتفاء بردود الفعل اللحظية. هذا التوجه يضع الأساس لنهج استباقي يتطلب خططًا طويلة الأمد تمسّ كل القطاعات، من الزراعة والمياه إلى الصحة والحماية الاجتماعية.
وتزامن هذا النقاش مع حدث عالمي مهم، إذ أصدرت محكمة العدل الدولية في يوليو 2025 رأيًا استشاريًا تاريخيًا، أكدت فيه أن مواجهة آثار التغير المناخي التزام قانوني على الدول، وأن حماية السكان من الظواهر المناخية المتطرفة، كالموجات الحارة، تدخل ضمن حقوق الإنسان الأساسية. هذا الموقف يمنح الأردن فرصة لتعزيز حضوره في المرافعات الدولية، والمطالبة بتمويل ودعم تقني من الدول الأكثر تسببًا في الانبعاثات، وسنّ تشريعات وطنية تلزم بإدماج خطط مواجهة الموجات الحارة في السياسات العامة، فضلًا عن تمكين المجتمع المدني من استثمار هذه المرجعية القانونية في المطالبة بحماية المناخ كحق مكتسب.
إن تحقيق العدالة المناخية في الأردن لن يكون ممكنًا دون "رؤية واضحة" تستند إلى تمويل مناخي مستدام، وشراكة مجتمعية واسعة تضم البلديات والجامعات ومنظمات المجتمع المدني، وخطط تكيف محلية تلبي احتياجات المناطق الأكثر عرضة للخطر، إضافة إلى إجراءات دعم اقتصادي تحمي مصادر رزق الفئات المتضررة من الحرارة الشديدة.
موجة الحر الأخيرة كانت جرس إنذار قاسٍ، لكنها يمكن أن تكون أيضًا "نقطة تحول" إذا ما تم استثمارها في بناء سياسات مناخية عادلة وفعّالة. ومع الدعم القانوني الدولي الذي أتاحه رأي محكمة العدل الدولية، يملك الأردن فرصة تاريخية لتحويل العدالة المناخية من شعار مرفوع إلى واقع ملموس، يحمي حياة الناس ومواردهم وصحتهم الجسدية والنفسية، ويصون أمنهم المعيشي.
فالبيئة ليست مسؤولية جهة بعينها، بل هي "حق للجميع ومسؤولية الجميع"، وصونها ليس ترفًا، بل ضرورة وجودية، لأن حماية "امنا الأرض" هي في جوهرها حماية للحياة نفسها.