لم يكن تصريح نتنياهو الأخير عن رؤية إسرائيل الكبرى سوى محاولة الهروب الى الأمام، وسط أزمات داخلية خانقة وضغوط خارجية متصاعدة، حديثه عن مشروع توسعي يمس سيادة دول عربية، ليس إلا إستدعاء لوهم إستعماري قديم، لكن هذه المرة في ظل ظرف سياسي لا يسمح له بالتنفيذ.
رؤية إسرائيل الكبرى ليست اختراع نتنياهو، بل هي امتداد وخطاب توراتي قومي متشدد يرى أن ما يسمى "أرض الميعاد" حق تاريخي لليهود، ظل هذا الموضوع يتنفس في الهامش، حتى جاء نتنياهو ليخرجه الى العلن بجرأة، متحدياً كل المواثيق الدولية وقرارات الأمم المتحدة.
على مر العقود، ظل الأردن سداً منيعاً أمام أي أطماع اسرائيلية، وضع الملك عبد الله الثاني قضية حماية السيادة الأردنية والدفاع عن الحقوق الفلسطينية في صدارة أولوياته، على المستوى الدولي عمل الملك في إيصال صوت الاردن بوضوح في المحافل العالمية، مؤكداً على رفض أي مشروع توسعي يمس حدود المملكة ، وبحنكة الملك السياسية وبعد نظره الاستراتيجي إستطاع أن يستبق الأحداث ويُفشل أي مخططات قد تمس أمن الأردن أو إستقرار المنطقة، والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية الأردنية ذات كفاءة وجاهزية عالية، ولها خبرة طويلة في التعامل مع التهديدات في حماية الحدود مع فلسطين المحتلة، كما أن موقعه الاستراتيجي والجغرافي يجعله خط الدفاع الاول عن إستقرار المنطقة.
الأردن لا يملك فقط قوة عسكرية متأهبة، بل يملك ثقلاً دبلوماسيا يجعل أي إعتداء عليه أزمة دولية كبرى، خاصة مع وجود تحالفات مع دول كبرى في الغرب والشرق، إلى جانب أهم ركيزة والتي تشكل عنصر ردع نفسي وسياسي لإسرائيل، وهي وحدة الصف الداخلي والرفض الشعبي القاطع لأي مساس بسيادة الوطن.
نتنياهو أطلق هذه التصريحات في وقت يواجه فيه تحديات دولية تتمثل في سحب صناديق سيادية لاستثماراتها في إسرائيل وكذلك إعلان عدد من الدول الغربية الإعتراف في دولة فلسطين أثناء إنعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الشهر المقبل، مثلما يواجه إخفاقات عسكرية، واحتجاجات داخلية تهدد تماسك ائتلافه الحاكم، الأمر الذي يتطلب إسترضاء حلفائه المتطرفين، وإظهار نفسه كزعيم يحمل راية التاريخ، وليس مجرد رئيس وزراء في أزمة، وعزلة دولية تتزايد بسبب المجازر بحق المدنيين في غزة. لذلك لجأ لتصريح صادم يغير مسار الأخبار ويركز الانظار على تصريح سياسي بدل المجازر اليومية التي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني، وإثارة موضوع "إسرائيل الكبرى" يخدمه في شحن قاعدته الأنتخابية اليمينية المتشددة، وتحويل الأنظار عن الفشل الميداني، إضافة الى جس نبض الموقف العربي.
يظل وهم "اسرائيل الكبرى" لعبة سياسية في يد نتنياهو، ووجود الأردن القوي الراسخ، الذي يعد خصماً عنيداً يملك جيشاً قوياً وشعباً متماسكاً ودبلوماسية تحظى باحترام دولي، يجعل من مجرد هذا الوهم وهم بعيد المنال، مهما علا ضجيج التصريحات الخبيثة.