facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الأردن القوي .. بوابة الصمود الفلسطيني


فراس النعسان
17-08-2025 12:55 PM

لا يمكن فهم معادلة المشرق دون أن يظهر الأردن كركيزة استقرار وحارسٍ للبوابة الغربية، حيث تمتد فلسطين كظلٍ لا ينفصل عن الضفتين. منذ أن وضعت خرائط الاستعمار حدودها المصطنعة، ظلّ النهر شاهداً على وحدة المصير، وعلى ترابط يتجاوز مفهوم الجوار إلى معنى أعمق: شراكة في الوجود، وامتداد طبيعي للهوية.

منذ عام 1948، كان الأردن في قلب القضية الفلسطينية، لا بصفة المراقب، بل كطرف معنيٍّ بعمق. فقد استقرّ فيه جرح فلسطين بكل طبقاته: اللاجئ الذي يحتفظ بمفتاح بيته، والمخيم الذي صار مدينة نابضة بالحياة، والذاكرة التي اندمجت في نسيج المجتمع. في هذا الامتزاج تكوّن وعي راسخ بأن الدفاع عن فلسطين ليس تعاطفاً عاطفياً، بل صون للذات.

هذا الموقف لم يبقَ حبيس المشاعر، بل ترجمته الدولة الأردنية إلى سياسات متزنة وحذرة، رافضة لكل المشاريع التي تحاول تجاوز الحق الفلسطيني أو تصفية القضية. وعلى مدى العقود، بدا الأردن كمن يحرك القطع على رقعة شطرنج دقيقة، مدركاً أن أي خطوة خاطئة قد تهدد استقراراً ممتداً، وأن أي تنازل في ملف فلسطين ينعكس مباشرة على الداخل.

حساسية القضية بالنسبة للأردن تنبع من أربعة أبعاد متداخلة:

أولاً، أن أي تسوية على حساب الفلسطينيين تعني فتح الباب لسيناريوهات التوطين المرفوضة قطعاً.

ثانياً، أن الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس هي جزء من مكانة الأردن التاريخية والدينية.

ثالثاً، أن ارتجاج الساحة الفلسطينية ينعكس تلقائياً على الداخل الأردني سياسياً وأمنياً واقتصادياً.

رابعاً، أن موقع الأردن المحوري يجعله في تماس مباشر مع واحدة من أعقد القضايا في العالم.

من هنا، فإن القضية الفلسطينية بالنسبة للأردن ليست ورقة للتفاوض، بل أساس من أسس أمنه القومي. لهذا ظلّ الموقف الأردني ثابتاً، يعرف حدوده الحمراء، ويتعامل بحكمة مع ضغوط دولية وإقليمية تحاول اختبار صلابته.

في زمن تتسارع فيه التحولات، وحين تلهث بعض الدول وراء التطبيع، يتمسك الأردن ببوصلة قيمية وسياسية ترفض أن تتحول فلسطين إلى ملفٍ ثانوي. إنه يمشي على حبل مشدود بين ضغوط القوى الكبرى من جهة، ومتطلبات الحفاظ على دوره ومكانته من جهة أخرى. غير أن خبرته المتراكمة، وعمق ارتباطه الشعبي بالقضية، يجعلان منه لاعباً أساسياً لا يمكن تجاوزه.

وليس الدور الأردني في القدس مجرد ورقة تفاوضية، بل ممارسة فعلية لحماية الهوية العربية والإسلامية للمدينة، ومواجهة محاولات التهويد. أما الشارع الأردني، الذي يرى في الدفاع عن فلسطين دفاعاً عن ذاته، فإنه يوفر سنداً لا ينضب لأي حكومة في تمسكها بالثوابت.

التحدي الأكبر يظل في المتغيرات الإقليمية والدولية وما قد تفرضه من صيغ تسوية. غير أن إدراك الأردن أن فلسطين تمثل خط الدفاع الأول عن هويته ودوره، يجعله ثابتاً، واعياً أن التراجع هنا ليس تنازلاً عن الآخر بل عن نفسه.

في القدس، حيث تلتقي الرموز بالتاريخ، يمارس الأردن وصايته كجزء من تعريف ذاته، لا كواجب بروتوكولي. ومن هنا فإن قوة الأردن لا تُقاس فقط بقدرة جيشه أو اقتصاده، بل بقدرته على التمسك بموقفه في قضية يرى فيها مرآة لكرامته وامتداده التاريخي.

إن الأردن القوي هو الذي يربط بين استقراره الداخلي وصلابته في الدفاع عن فلسطين. ولهذا ستظل القضية بالنسبة له امتحاناً دائماً للإرادة الوطنية، ومرآة لصموده في زمن تتغير فيه الموازين. فما تعلمه الأردنيون من التاريخ هو أن قضايا الجذور لا تُدار بالصفقات، بل بالصبر الطويل والإصرار على أن تبقى عمّان عاصمة تحرس الكرامة قبل أن تحرس الحدود.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :