قرار الأمير الشاب: خدمة العلم بين الرؤيا المستدامة والإرث الملكي
د. فاطمة العقاربة
18-08-2025 10:50 AM
قرار إعادة خدمة العلم ليس مناورة شكلية ولا إجراءً إداريًا، بل هو قرار تعبوي استراتيجي يحمل رؤية مستدامة يتبناها الأمير الشاب، وقد تربّى على نهج الملك عبد الله الثاني الذي رسّخ العقيدة القتالية للدولة الأردنية: السيادة خط أحمر، والهوية الوطنية غير قابلة للمساومة.
مدرسة الانضباط الوطني
خدمة العلم ليست دورة عابرة، بل معسكر دائم لإنتاج الانضباط. هناك، عند أول صافرة فجر، يصطف الشباب في الطابور، عيونهم شاخصة نحو العلم وهو يرتفع مع أول شعاع للشمس. يتعلمون أن النظام هو حياة، وأن الطاعة الواعية ليست خضوعًا، بل انضباط يصنع القوة. في ميدان الرماية، حين تُطلق الطلقة الأولى، يفهم المجنّد أن الدفاع عن الوطن لا يبدأ بالشعار بل بالمهارة والجاهزية.
المعادلة الثلاثية
إعادة خدمة العلم تعني تثبيت معادلة عسكرية–وطنية واضحة:
1. قوة ردع ناعمة: كتائب شبابية مدرّبة، جاهزة للاستدعاء، تشكّل رصيدًا احتياطيًا يرفع قدرة الدولة على المواجهة في أي سيناريو.
2. مشروع اقتصادي–تنموي شبابي: تحويل الطاقات الكامنة إلى قوة إنتاجية، عبر إشراك المجندين في مشاريع حيوية مثل الطرق والسدود والتحريج ومصانع القوات المسلحة.
3. ترسيخ الهوية الوطنية التاريخية: تحويل الذاكرة الوطنية من مجرد شعارات إلى واقع ملموس، بحيث يصبح كل مجند حاملًا لسجل الانتماء، وامتدادًا لمعركة الكرامة وإرث جيش الثورة العربية الكبرى.
الأبعاد الاستراتيجية للبرنامج التأهيلي
البرنامج لا يقتصر على حيازة السلاح، بل ينهض على أربعة أعمدة صلبة:
الالتزام والانضباط: في الثكنة لا مكان للتهاون؛ دقيقة تأخير قد تكون خسارة ميدان.
تقدير الوقت والتنظيم: كل حركة محسوبة، وكل ساعة لها مهامها. الجندية هنا درس للحياة قبل أن تكون درسًا للقتال.
الاقتصاد في الموارد: من الماء في القربة إلى الذخيرة في المخزن، يتعلم المجند أن الوطن يُحافَظ عليه بإدارة موارده بعقل ووعي.
الثقة بين الشعب والجيش: حين يشارك الشاب في صيانة مركبة، أو يقف على برج مراقبة حدودي، يدرك أن الجيش ليس مؤسسة بعيدة، بل هو صورة مصغّرة عن الوطن كله.
أمام خطابات “الأرض الموعودة” ومحاولات تدويل الجنوب السوري، يرد الأردن برسالة ميدانية صارمة: لا مساومة على حدود الوطن، ولا تفريط في القرار السيادي. جاهزية الوطن لا تُبنى على الأوراق، بل تُصاغ في ميادين التدريب، في حرارة الشمس على الساتر الترابي، وفي برد الليل على خط الحدود.
إعادة خدمة العلم ليست استدعاءً للماضي، بل تعبئة مدروسة للمستقبل. في كل فجر جديد من أيام المعسكر، حين يُرفع العلم ويُردَّد السلام الوطني، يشعر المجنّد أن صوته امتداد لأصوات الشهداء في الكرامة، وأن خطوته امتداد لمسيرة جيشٍ لم يعرف الهزيمة.
المجند الأردني ليس مجرد شاب يؤدي واجبًا، بل هو مقاتل احتياط، ومنتِج اقتصادي، وحامل للهوية الوطنية. إنها صيغة ثلاثية تصنع أردنًا أكثر صلابة، وجبهة داخلية منيعة، ورسالة سياسية لا تخطئ: الأردن محصَّن بشبابه، قوي بخدمته الوطنية، ثابت بعقيدته العسكرية… وسيبقى كذلك ما بقي التاريخ.