فرانك كابرينو ورضوان السعد
أحمد الحوراني
21-08-2025 01:24 PM
في أيلول من سنة ألفين وتسعة عشر، نعى جلالة الملك عبدالله الثاني طبيب الفقراء الدكتور رضوان السعد الذي شيّعه الالاف من سكان اربد خاصة والمملكة عامة، وجلالته الذي كان أمامه جدول أعمال مزدحم حين كان آنذاك في نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أثنى في تغريدة له عبر تويتر على جهود السعد وشاهد حجم الحب الذي أحاطه به الناس من كل جانب، لا لشيء إلا لأنه كان إنسانًا قبل أن يكون طبيبًا، وفي ذلك فهمنا إشارة جلالته إلى أن الأردن لا يخلو من الطيبين وأن العطاء فيه أمر مؤصّل بين مختلف فئات شعبنا الأردني العظيم.
بالأمس توفّي القاضي الأمريكي الشهير "فرانك كابرينو" وضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بنعيه بعبارات كان القاسم المشترك فيها هو حجم الحب الذي تجاوز الحدود والقارات والدول والديانات الذي حظي به كابرينو الأمريكي كما حظي به رضوان السعد الأردني، وإذا كنا نعرف السعد من خلال أعماله ولقاءاتنا العابرة به في وقت لم نعرف ولم نلتقي كابرينو، فأين السر وكيف يمكن للإنسان أن يجمع الناس من حوله على اختلاف مشاربهم وفي هذا منطلق المقارنة.
الحزن على وفاة كابرينو أعاد للأذهان حقيقة أن الإنسانية تسمو على ما سواها، وأنها العملة الوحيدة والثروة التي يمتلكها المرء والباقية أبد الدهر بل والتي تحفظ اسمه وسيرته حية في ذاكرة بني البشرية جمعاء، وفي معرض هذا الكم الهائل من حجم الحزن الصادق على وفاة هذا القاضي الذي آمن بأن حقيقة ما يتحدث به الناس من سعادة الحياة وطيبها وغبطتها ونعيمها إنما تتجسد في العثور على من يَصدُقك الود وتصدُقه دون أن يتجاوز ذلك إلى ما وراءه من مآرب وأغراض، وأن يكون شريف النفس، فلا يطمع في غير مطمعٍ، وشريف القلب فلا يحمل حقدًا ولا يحفظ وترًا، ولا يحدِّث نفسَه في خلوته بغير ما يحدث به الناس في محضره، وشريف اللسان فلا يكذب ولا ينُمُّ ولا يُلِمُّ بِعِرضٍ ولا ينطق بهُجرٍ، شريفَ الحب فلا يحب غير الفضيلة ولا يبغض غير الرذيلة.
سئل أحدهم «هل تَعُدُّ نفسك سعيدًا؟» قال: «نعم، لأنني قانعٌ برزقي، مغتبطٌ بعيشي، لا أحزن على فائتٍ من العيش، ولا تذهب نفسي حسرةً وراء مطمع من المطامع، فمن أيِّ باب يخلُص الشقاء إلى قلبي؟»،
ورُوي أن ابن «سِينَا» كان يسأل الله أن يهبه حياةً عريضةً وإن لم تكن طويلةً؛ ولعله يعني بالحياة العريضة حياةً غنية بالتفكير والإنتاج؛ ويرى أن هذا هو المقياس الصحيح للحياة؛ وليس مقياسَها طولُها إذا كان الطول في غير إنتاج؛ وأظن جازمًا أن هذا اليقين كان أكبر سببٍ في عزاء وراحة نفس كابرينو من الهموم والأحزان فما ما نزلت به ضائقةٌ، ولا هبَّت عليه عاصفة من عواصف هذا الكون إلا انتزعه اليقين من بين مخالبها وهوَّنها عليه، حتى لم يكن ليشعر بوقعها، وهكذا كان وجوده في قلوب الناس مستقرًا وصادقًا وواقعًا، فيا له من كنز ثمين حظي به الرجل ليتنا ننل بعضًا أو جزءًا منه.
كابرينو ورضوان السعد كل منهما صنع صنعًا عظيمًا قوامه الحب ولا شيء سواه، فبالحب كان كل منهما كبيرًا وبالحب كانا مختلفان عن غيرهما وبعدالته وانسانيتهما حازا رضا ومحبة الناس أجمعين، ومن تلك الدروس والعبر المستفادة منه لعلها توقف الكثيرين منا أمام بعض تصرفاتنا وسلوكياتنا التي أصبحنا للأسف نراها صباح مساء ولا تمت لنا ولا لقيمنا ولا لعاداتنا بصلة تُذكر، ولهذه السلوكيات صور وأشكال عديدة نراها في الشارع والعمل ونواجهها مع البائع والتاجر ومع السائق، وكل ذلك يعيدني لأستحضر مضامين كتاب" مجتمع الكراهية" سعد جمعة.