نداء النهضة للشباب .. بين فكر الأمير الحسن ورؤية ولي العهد
أ.د. أحمد منصور الخصاونة
21-08-2025 10:20 PM
في زمنٍ يختلط فيه صوت القوة بضجيج المصالح، يذكّرنا سمو الأمير الحسن بن طلال بأنّ فلسطين لم تعد مجرّد قضية حدود أو جغرافيا، بل أصبحت مختبرًا للاستعمار الحديث، حيث تُجرَّب أبشع أدوات القمع والإبادة، ويُسعى لفصل القدس عن محيطها الطبيعي في الضفة الغربية، تمهيدًا لتهويدها وطمس هويتها العربية والإسلامية والمسيحية.
هذا الوعي العميق لا يكتفي بوصف المأساة، بل يطلق تحذيرًا واضحًا: ما يجري هناك قد يُوجَّه يومًا إلينا جميعًا. ومن هنا كان نداء سموه إلى الشباب: اصنعوا معرفة دقيقة، وصيغوا مواقف متماسكة، وقفوا في مواجهة التهميش والإقصاء.
هذه الرسالة تلتقي جوهريًا مع توجهات جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي يؤكد في كل محفل أنّ القدس خط أحمر، وأن العدالة لا تتحقق بانتقائية القيم، ولا بميزان مزدوج. فالملك يرفع الصوت باسم فلسطين، لكنه أيضًا يخاطب العالم بلغة إنسانية كونية، داعيًا إلى وحدة القيم ورفض ازدواجية المعايير.
أما ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، فقد اختار أن يترجم هذه الرؤية إلى فعل عملي، فوضع الشباب في قلب المعادلة الوطنية. ومع إعادة تفعيل خدمة العلم، لم تعد المسألة واجبًا عسكريًا فقط، بل صارت مشروعًا وطنيًا يزرع في الشباب قيم الانضباط والانتماء، ويمنحهم فرصة لبناء الذات، وتحصين العقول بالمعرفة والمهارة، ليكونوا مؤهلين لصياغة مستقبل الأردن والمنطقة.
هكذا تتكامل حلقات النهج الهاشمي: فكر الأمير الحسن بما يحمله من عمق وتأملات استراتيجية، ورسائل الملك بما تحمل من ثبات في الدفاع عن فلسطين والقدس، ورؤية ولي العهد التي تحوّل هذه القيم إلى مشروع شبابي واقعي. إنها معادلة النهضة التي نحتاجها اليوم: فكر يضيء، قيادة توجّه، وشباب ينهض بالفعل.
أيها الشباب، إنّ المسؤولية اليوم بين أيديكم. فالقضية لم تعد قضية جغرافيا بقدر ما هي قضية وعي وهوية. في القدس، كما في عمان، وفي غزة كما في بغداد ودمشق، تُصاغ ملامح المستقبل. فلتكن خدمتكم لوطنكم وعلمكم ومعرفتكم رصيدًا في معركة الوعي، ولتكن وحدتكم حصنًا أمام كل محاولة لتقسيمكم أو تهميشكم.
إنّ النهضة التي دعا إليها أجدادنا، والتي يستحضرها الأمير الحسن بعمق وجدانه، هي نفسها التي يجددها الملك عبد الله الثاني بثبات مواقفه، ويغرسها ولي العهد في قلب كل شاب أردني عبر خدمة العلم ومشاريع التمكين. نهضة لا تقوم إلا بالحوار، ولا تستمر إلا بالصبر، ولا تُبنى إلا بتعاون أبنائها، من أجل فلسطين، ومن أجل الأردن، ومن أجل إنسانيتنا الجامعة.