جيل لم يهاجر .. لكنه لم يعد ينتمي!
د. ماجد عسيلة
24-08-2025 01:20 PM
في الوقت الذي تشهد فيه دول كثيرة موجات هجرة كبيرة من شبابها، هناك فئة لا تقل أهمية في المشهد الأردني: جيل من الشباب لم يغادر البلاد، لكنه فقد شعوره بالانتماء.
هم أولئك الذين يجلسون في المقاهي ويجوبون الشوارع، ويحملون الهوية الشخصية في جيوبهم، لكن لا يحملون بداخلهم ذات الشعور بالحلم الجماعي أو الأمل المشترك.. لم يغادروا جغرافيا المكان، لكنهم انسحبوا نفسيا، عاطفيا، وربما فكريا من الوطن، تراهم يتحدثون بلغة التشكيك، يشاهدون الأخبار ببرود، ولا يشاركون القضايا العامة وإن فعلوا يشاركون بتعليقات ساخرة، كأنهم ليسوا معنيين، أو كأن كل ما يحدث حولهم لا يعنيهم.
هذا الانفصال في كثير من الاحيان لا علاقة له بالخيانة أو الكراهية للوطن، بل هو نتيجة تراكمات طويلة من التهميش والخذلان والبطالة وانعدام العدالة.
جيل يشعر أنه غير مرئي ولا مؤثر، ولا مستقبل له.. لا ممثلين له في مراكز القرار ولا سياسات تعكس أولوياته وتطلعاته، ولا مؤسسات تستمع إليه بصدق.
جيل تعلم أن التغيير مستحيل وأن التعبير عن الرأي مغامرة، وأن الفرص تمنح بالواسطة، لا بالعمل والجدارة.
المؤلم أن هذا الجيل لا يطالب بالكثير، بل بفرصة عادلة، صوت مسموع، وأمل ملموس، لكنه حين لا يجد شيئا من ذلك، يختار "الانسحاب الصامت" بدل الاصطدام أو الهجرة.
الخطر في هذا الصمت أنه لا يرى ولا يسمع، لكنه يصنع طبقة اجتماعية جديدة: "مواطن حاضر بجسده.. غائب بروحه"، ولإعادة هذا الجيل إلى طريق الصواب، لا تكفي الحملات ولا الشعارات، بل نحتاج إلى سياسات تعيد الثقة ومشاريع تفتح الأبواب، وقادة يستمعون بإنصات لا بتوجيه.
الانتماء لا يفرض، بل يبنى لبنة لبنة، وثقة بثقة.