facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




كيف نصمد أمام رياح التوسع وسياسات التجويع؟


ماهر أحمد لوكاشه
26-08-2025 10:33 AM

تقف منطقتنا اليوم على شفا جرحٍ غائر، جرحٌ اسمه غزة. هناك، حيث تتكشف فصول مأساة إنسانية تفوق كل وصف، وتُرتكب فظائع يندى لها جبين التاريخ. لم يعد الأمر مجرد عملية عسكرية، بل حرب إبادة وتجويع ممنهج، تهدف إلى كسر إرادة شعب أعزل وتهجيره من أرضه. هذه النار المشتعلة لا تحرق غزة وحدها، بل يتطاير شرارها ليهدد استقرار الإقليم بأسره، ويضع دول الجوار، وفي مقدمتها الأردن، أمام تحديات وجودية.

في خضم هذا المشهد القاتم، ومع انشغال العالم بمتابعة عدّاد الموت اليومي في فلسطين، تجد إسرائيل فرصتها الذهبية لتطلق العنان لأحلامها التوسعية القديمة. لم تعد خريطة “إسرائيل الكبرى” مجرد هذيان يتردد في أوساط المتطرفين، بل أصبحت خطاباً سياسياً معلناً، يهدد بابتلاع أراضٍ عربية في مصر و سوريا ولبنان، ويضع الأردن وسيادته في دائرة الخطر المباشر.

هذا الواقع المرير يطرح سؤالاً مصيرياً على كل أردني: كيف نحمي بيتنا في هذا الزمن الصعب؟ كيف نصون استقرارنا الذي بنيناه بالتضحيات و المهج و الأرواح، في وجه رياح عاتية تسعى لاقتلاع كل ما هو ثابت؟

الأردن، هذا الوطن الذي كان على الدوام مرساة للاستقرار في بحر من الأمواج المتلاطمة، يدرك جيداً حجم التحدي. قيادته، وعلى رأسها جلالة الملك عبد الله الثاني، لم تكلّ ولم تملّ من التحذير من خطورة ما يجري. كان صوت الأردن هو الأعلى في المحافل الدولية، وهو يصرخ بأن تهجير الفلسطينيين “خط أحمر”، وأن المساس بالقدس ومقدساتها لعبٌ بالنار. هذا الموقف الحازم ليس مجرد تضامن مع الأشقاء، بل هو في جوهره دفاع عن الأمن الوطني الأردني، لأننا ندرك بعمق أن أمننا يبدأ من صمود الأشقاء في فلسطين.

لكن المواقف السياسية وحدها لا تكفي. فالمعركة اليوم متعددة الجبهات، وتتطلب منا صموداً شاملاً. صحيح أن اقتصادنا الوطني يواجه تحديات، شأنه شأن اقتصادات العالم أجمع التي تأثرت بالأزمات المتلاحقة، إلا أن هذا الاقتصاد أثبت على الدوام مرونة وقدرة على التكيّف. واليوم، نحن مدعوون أكثر من أي وقت مضى لتقوية هذا الصمود الاقتصادي، عبر تعزيز أمننا الغذائي والمائي، وتنويع مصادر طاقتنا، وبناء شبكات أمان اجتماعي تحمي كل أسرة أردنية، فلا يشعر مواطن أنه وحيد في مواجهة أعباء الحياة.

وعلى الصعيد الأمني، فإن قواتنا المسلحة الأردنية - الجيش العربي، وأجهزتنا الأمنية، هم سياج الوطن ودرعه الحصين. يقظتهم على الحدود، وجاهزيتهم للدفاع عن كل شبر من ترابنا، هي رسالة الردع الأبلغ لكل من تسول له نفسه التفكير في المساس بأمن الأردن. هذا الجيش، الذي روى بدم شهدائه أرض فلسطين دفاعاً عن القدس واللطرون وباب الواد، هو اليوم أكثر تصميماً على حماية سيادة المملكة ومنجزاتها.

لكن السلاح الأقوى الذي نمتلكه، والذي كان سر نجاتنا في كل المنعطفات التاريخية، هو وحدتنا الداخلية. هذا التلاحم الفريد بين أبناء الشعب الأردني، بكل أصولهم ومنابتهم، هو صخرتنا التي تتحطم عليها كل المؤامرات. إن مشهد الأردنيين وهم يهبّون صفاً واحداً للتضامن مع غزة، ومشهد تكاتفهم خلف قيادتهم وجيشهم، هو التعبير الأصدق عن هوية هذا الوطن.

إننا اليوم في أمس الحاجة لتمتين هذه الجبهة الداخلية، عبر خطاب وطني يجمع ولا يفرق، وعبر تعزيز الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، وعبر احتواء الغضب الشعبي المشروع وتوجيهه نحو أفعال بنّاءة تدعم صمود أهلنا في فلسطين وتقوي بيتنا في الأردن.

المرحلة دقيقة وحرجة، ولا تحتمل أنصاف الحلول أو التردد. إنها تتطلب منا جميعاً، قيادة وشعباً ومؤسسات، أن نكون على قدر المسؤولية. أن نكون يداً واحدة في السياسة، ودرعاً واحداً في الميدان، وقلباً واحداً في التكاتف الاجتماعي.

الأردن ليس مجرد بقعة على الخريطة، بل هو فكرة ورسالة؛ فكرة الاعتدال والحكمة، ورسالة الوئام والعيش المشترك. وحماية هذه الفكرة وهذه الرسالة هي واجبنا جميعاً. بتصميمنا ووحدتنا، وبعون الله، سيعبر الأردن هذه العاصفة كما عبر غيرها، وسيظل واحة أمن وأمان، ومنارة أمل في محيط مضطرب، وستبقى رايته خفاقة عالية تسرّ الصديق وتغيظ العدى.

حمّى الله الأردن





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :