خطة أولون .. جغرافيا الاحتلال والتكتيكات والتدرّج الصامت في الهيمنة
د. بركات النمر العبادي
26-08-2025 10:37 AM
منذ عام 1967، لم تكن حرب الأيام الستة مجرد انتصار عسكري لإسرائيل ، بل كانت نقطة انطلاق لعقيدة سياسية واستراتيجية جديدة عبّرت عنها ما عُرف لاحقًا باسم "خطة أولون" هذه الخطة ، التي اقترحها الوزير الإسرائيلي "يغئال ألون" ، أصبحت بمثابة دليل عمل إسرائيلي غير معلن لكنها مُطبّقة بوضوح على الأرض حتى يومنا هذا.
تُعد خطة أولون من أوائل المخططات التفصيلية التي تناولت كيفية التعامل مع الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد حرب 1967، وقد طرحت رؤية لتقسيم الضفة الغربية إلى مناطق أمنية واستيطانية وأخرى "سكانية" تحت سيطرة فلسطينية محدودة.
ومن أبرز بنود الخطة:
1. ضم وادي الأردن بالكامل لإسرائيل ، واعتباره حدًا شرقيًا دائمًا وآمنًا.
2. إقامة شريط استيطاني متصل يمتد من البحر الميت جنوبًا إلى بيسان شمالًا.
3. إنشاء كانتونات فلسطينية داخلية معزولة عن بعضها وغير متصلة جغرافيًا ، تفتقد لأي شكل من السيادة.
4. فصل مدينة القدس عن محيطها الفلسطيني وربطها إداريًا وعمرانيًا بالداخل الإسرائيلي.
5. الاحتفاظ بالتحكم العسكري الدائم بالمناطق الفلسطينية ، حتى تلك التي يتم "تفويضها" للحكم الذاتي لاحقًا.
ورغم أن خطة أولون لم تُعتمد رسميًا من أي حكومة إسرائيلية ، إلا أن جميع الحكومات المتعاقبة – يمينية ويسارية – نفذت مضمونها حرفيًا:
• المستوطنات الإسرائيلية أقيمت بكثافة على امتداد وادي الأردن ، وتم إعلانه لاحقًا "منطقة عسكرية مغلقة" في وجه الفلسطينيين.
• مشاريع فصل الضفة إلى جيوب فلسطينية ، كما في اتفاق أوسلو ، رسخت منطق أولون عبر مناطق "A" و"B" و"C".
• الجدار العازل الذي بدأ بناؤه عام 2002 تبنّى ذات التصور الأمني الذي طرحه ألون : عمق دفاعي ، سيطرة على الطرق ، وتقطيع لأوصال القرى والمدن الفلسطينية.
• القدس الكبرى التي تسعى إسرائيل لتوسعتها ، تتماشى تمامًا مع بنود الخطة المتعلقة بربط المدينة استيطانيًا وعزلها سكانيًا.
ومن المخططات التي ارتبطت بخطة أولون:
• خطة دروبليس (1978): أكدت على ضرورة "الاستيطان كأمر واقع" ، وطبقت عمليًا بنود أولون بتكثيف الاستيطان شرق الضفة.
• مشروع القدس الكبرى: امتداد مباشر لرؤية ألون بتهويد القدس وعزلها عن محيطها الفلسطيني.
• خطة التصفية الحديثة (2020–2025): دعوات ضم غور الأردن بشكل رسمي ، خاصة بعد تصريحات نتنياهو خلال الانتخابات ، وتأييد أطراف في الإدارة الأمريكية.
تأثير الخطة على الوعي العربي و الفلسطيني الجمعي
لا تكمن خطورة خطة أولون في طابعها العسكري أو الاستيطاني فقط ، بل في طريقة تطبيعها التدريجي على الوعي العام العربي والفلسطيني:
• منح الفلسطينيين "وهم الدولة" داخل كانتونات معزولة أدى إلى تفتيت الأمل الجماعي بالتحرر.
• تغليف الاحتلال بخطابات سياسية ومفاوضات عبثية ساهم في تشويش الخطاب الرسمي والشعبي العربي.
• فرض منطق "الواقع المفروض" دفع بعض الخطابات الإقليمية للتعامل مع الضفة وغور الأردن كـ "مساحات متنازع عليها" بدلًا من "أراضٍ محتلة".
يمكن القول ان خطة أولون ليست مجرد وثيقة مهملة في أرشيف التاريخ ، بل هي خارطة طريق استعمارية نُفذت بحذر ودهاء ، هدفها تفكيك الأرض الفلسطينية ، وتمزيق الروح الجمعية ، وتحقيق الأمن الإسرائيلي ليس عبر السلام كما يعتقد ، بل عبر الجغرافيا والهيمنة ، وبينما يواصل الاحتلال فرض سياساته على الأرض ، يبقى السؤال: هل يمكن للوعي العربي و الفلسطيني أن يُعيد بناء نفسه ، أم أن خطة أولون ستنتصر حتى في العقول ؟ وعذا سؤال مطروح برسم الاجابه على الوعي العربي و الفلسطيني الجمعي .
حمى الله الاردن و سدد على طريق الحق خطى قيادته وشعبه .