الصحراء المغربية .. كيف توازن واشنطن خطابها بين الرباط والجزائر؟
د. آمال جبور
26-08-2025 10:50 AM
خلال أقل من شهر ، بعثت الولايات المتحدة رسالتين واضحتين بشأن ملف الصحراء المغربية. الأولى جاءت من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في رسالة إلى الملك محمد السادس أكد فيها دعم بلاده لمبادرة الحكم الذاتي، واعترافها بسيادة المغربية على الصحراء، أما الثانية فكانت على لسان السفيرة الأمريكية في الجزائر إليزابيث مور أوبين، التي دعت خلال مؤتمر صحفي إلى فتح مفاوضات مباشرة بين جميع الأطراف، مشيرة إلى أن النزاع تجاوز نصف قرن من الزمن.
وبين الرسالتين يظهر براغماتية السياسة الأمريكية، فهي من جهة تثبّت دعمها الواضح للمغرب باعتباره شريكًا استراتيجيا موثوقا، ومن جهة أخرى تترك الباب مفتوحًا للحوار مع الجزائر لتفادي خسارتها في ظل التنافس الدولي المتصاعد في شمال إفريقيا، لادراكها أن الجزائر لاعب مهم في ملفات الطاقة والأمن الإقليمي، ولا ترغب في دفعها أكثر نحو موسكو وبكين.
لذلك نرى أن الموقف الأمريكي يجمع بين ثبات استراتيجي في دعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية، ومرونة دبلوماسية في خطابها مع الجزائر، هذا التوازن يعكس إدراكًا أمريكيا بأن النزاع لم يعد مجرد نزاع ثنائي بين الرباط والجزائر، بل أصبح جزءًا من حسابات أكبر تتعلق بالاستقرار الإقليمي ومواجهة النفوذ الروسي والصيني في القارة الإفريقية.
اللغة التي اعتمدتها السفيرة الأميركية في ندوة جمعت وسائل اعلام جزائرية، حول عدة ملفات، بدت محايدة و محسوبة بعناية خصوصا فيما يخص ملف الصحراء، فإشارتها الى "خمسين عامًا من النزاع" عكست ضمنياً أن الحلول التقليدية قد استُنفدت، وأن استمرار الوضع الحالي يهدد الاستقرار. وعندما تحدثت عن "حقبة جديدة من السلام والازدهار " فقد أرادت دفع الجزائر نحو التفكير في تسوية واقعية بدل الاكتفاء بدعم جبهة البوليساريو. وفي دعوتها إلى" محادثات دون تأخير " أرادت واشنطن التأكيد على ان تطور الملف دوليا يخدم الموقف المغربي، مع تجنب إستخدام عبارة " الحل الوحيد " تفادياً لحساسية الطرف الجزائري.
باختصار، تنظر الولايات المتحدة الى قضية الصحراء المغربية باعتبارها اختبارا حاسما لقدرتها على إيجاد تسوية واقعية تحفظ مصالحها وتضمن استقرار شمال إفريقيا، فهي تعلن دعمها الواضح للمغرب، وفي الوقت نفسه توظف خطابا مرنا تجاه الجزائر، في محاولة لطمأنتها ودفعها إلى الانخراط في مسار تفاوضي برعاية الأمم المتحدة، ومن خلال هذا المزيج بين الدبلوماسية والبراغماتية تحاول واشنطن أن تظل اللاعب الأكثر تأثيرًا في مسار ملف الصحراء المغربية.