معان، مدينة لا تُشبه غيرها، فهي بوابة الجنوب الأردني وعاصمة التاريخ والقصور والكنوز المدفونة. منذ آلاف السنين، كانت معان ملتقى طرق القوافل، ومركزًا دينيًا وسياسيًا، ترك فيه الأنباط والرومان والأمويون والإسلاميون بصمات خالدة.

القصر الملكي القديم… رمز الحضور الهاشمي
في قلب معان يقف القصر الملكي القديم، شاهدًا على مرحلة مفصلية من تاريخ الأردن الحديث. هذا القصر لم يكن مجرد بناء، بل كان نقطة انطلاق للحكم الهاشمي، وبيتًا احتضن بدايات الدولة الأردنية. هو رمز الوفاء والعراقة، وذاكرة وطنية يجب أن تُصان وتُستثمر لتكون معلمًا سياحيًا وثقافيًا يُلهِم الأجيال.

إرث حضاري خالد
• القصور الأموية مثل قصر المشتى والقصور الصحراوية المحيطة، شواهد على فن معماري فريد.
• الآثار النبطية والرومانية التي تحيط بالمدينة وتجعلها متحفًا مفتوحًا.
• محطة الحجاج التي منحت معان دورًا روحانيًا وتجاريًا في آن واحد.


ثروات الأرض… المعادن والمصانع الحديثة

معان ليست فقط تاريخًا، بل أيضًا أرضٌ غنيةٌ بالموارد ومعقّدة بالصناعات:
1. الفوسفات (منجم الشيدية):

• يُنتج حوالي 10 ملايين طن من خام الفوسفات سنويًا، وكان الرقم القياسي عام 2021، مما يضع القطاع ضمن أهم الدعائم الاقتصادية.
• الأردن يحتل المرتبة الخامسة عالميًا من حيث الاحتياطي، ويضم حوالي 3.7 مليار طن، منها 1.25 مليار طن تحت إدارة شركة مناجم الفوسفات الأردنية (JPMC).

2. السيليكا (الرمال الزجاجية):

• معان تمتلك واحدًا من أنقى احتياطيات رمال السيليكا في المنطقة، بتركيز عالٍ من ثاني أكسيد السيليكون (SiO₂) يصل إلى أكثر من 98%.
• هذه الرمال تدخل في صناعات إستراتيجية مثل الزجاج الشفاف، الألياف الضوئية، والخلايا الشمسية.
• إن إنشاء مصانع متخصصة في معان لإنتاج الزجاج والخلايا الشمسية مباشرة من رمالها النقية سيحوّل السيليكا من مادة خام مُهملة إلى منتج صناعي عالي القيمة يدرّ على الأردن عوائد ضخمة ويوفر آلاف الوظائف.

3. أحماض الكبريتيك والفوسفوريك والأسمدة (منشآت العقبة):

• الإنتاج السنوي (2024):
• حمض الكبريتيك: 1,033,356 طن
• حمض الفوسفوريك: 297,000 طن
• سماد DAP: أكثر من 716,590 طن
• فلوريد الألمنيوم: حوالي 10,071 طن
• وفي عام 2020، بلغت أرقام الإنتاج: حمض الكبريتيك 863,000 طن، DAP 707,000 طن، حمض الفوسفوريك 282,000 طن، بالإضافة إلى 10,000 طن من فلوريد الأمونيوم.

4. مشروعات توسعية جديدة:

• تم وضع حجر الأساس لمشروع المرحلة الثانية في منجم الشيدية، الذي سيرفع إنتاج حمض الكبريتيك من 2,200 إلى 4,450 طن يوميًا (أي نحو 1.5 مليون طن سنويًا)، وإنتاج حمض الفوسفوريك من 900 إلى 1,600 طن يوميًا (أي نحو 550 ألف طن سنويًا).
• المشروع يتضمن أيضًا توليد إضافي يصل إلى 20 ميغاواط من الطاقة، مع إمكانية تصدير 9 ميغاواط منها، ومن المتوقع بدء العمل به بحلول سبتمبر 2025.

5. فرص العمل والتنمية المحلية:

• شركة مناجم الفوسفات الاردنيه تُعد من أكبر أصحاب العمل في القطاع، وتوظّف آلاف العمال في المناجم والمصانع، بينما يساهم قطاع التعدين بنحو 9.2٪ من الناتج المحلي الإجمالي الأردني في عام 2021، وجزء من صادراته بلغ 30.4٪ من مجموع الصادرات الوطنية.


جامعة الحسين بن طلال… منارة العلم في الجنوب
لا تكتمل صورة معان دون ذكر جامعة الحسين بن طلال، هذا الصرح الأكاديمي الذي يشكّل رافعة للتعليم العالي في الجنوب. الجامعة ليست فقط مؤسسة تعليمية، بل مشروع وطني قادر على أن يكون مركزًا للبحث والابتكار، وأن يوقف نزيف الهجرة من خلال توفير فرص لأبناء معان وشباب الأردن عمومًا.


وسط البلد… مرآة الإهمال
رغم هذا الثراء الطبيعي والتاريخي، يواجه وسط معان واقعًا مؤلمًا:
• شوارع متعبة وواجهات محلات باهتة.
• غياب النظافة والتنظيم.
• قلة الاهتمام بالموروث الشعبي والأسواق القديمة.
تتراجع معان التي يفترض أن تكون مركزًا نابضًا للسياحة والتجارة أمام الإهمال واللامبالاة.


العقول المهاجرة… الخسارة الصامتة
إلى جانب الثروات الطبيعية، تعاني معان من هجرة العقول والخبرات. كم من أبناء المدينة تركوها بحثًا عن فرص أفضل؟ كان من الممكن أن تصبح مركزًا صناعيًا وتعليميًا حقيقيًا، لو تم استثمار هذه الثروات والطاقات بشكل فعّال.


معان المستقبل… الفرصة لا تزال قائمة
الإنقاذ ممكن إذا ما توافرت الإرادة الحقيقية:
• إحياء القصر الملكي القديم ليصبح وجهة وطنية وسياحية.
• تجديد وسط المدينة وتحويله إلى مركز اقتصادي ثقافي نابض.
• استثمار الفوسفات، السيليكا، والأحماض والمعادن في صناعات تحويلية قوية توفر آلاف الوظائف.
• التوسع في مشاريع الطاقة الشمسية بحيث تُصبح معان نموذجًا للطاقة النظيفة.
• دعم جامعة الحسين بن طلال لتتحوّل إلى مركز علمي للتطوير المحلي وركيزة للاقتصاد المعرفي في الجنوب.
• نقل معان نحو مدينة نموذجية حديثة، تُزيَّن شوارعها بالزرع والأشجار، وتُرصّف أرصفتها لتكون ممرات آمنة وجميلة، وتُضاء واجهاتها لتُصبح عنوانًا للجمال والنظام، بما يعكس أصالة المدينة وروحها المعاصرة.

وللحديث بقية ..

farramazen@hotmail.com