facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




زينة بلا معنى .. حين يتحول الفكر إلى عرض استعراضي


د. حسين سالم السرحان
30-08-2025 12:36 AM

هل أصبح المطلوب من المثقف اليوم أن يُبهِر لا أن يُفكِّر؟
سؤال يفرض نفسه حين نتأمل ظاهرة آخذة في التمدد داخل المشهد الثقافي العربي، وهي ما يمكن تسميته بـ”الموضة الفكرية” — حيث يتحول الفكر إلى مجرد زينة ثقافية، تُستخدم للعرض لا للتحليل، وللتزيين لا للتفكيك.

هذه الظاهرة لا تنفصل عن أزمة أعمق، عبّر عنها المفكر العربي الطاهر لبيب بقوله:
"المشكلة ليست في غياب الفكرة، بل في غياب المعنى.”

غياب المعنى هنا لا يعني ضعفًا لغويًا أو نقصًا في البلاغة، بل افتقارًا لبنية فكرية نابعة من واقع معاش، من مشروع ثقافي حيّ، ومن حاجة حقيقية إلى مساءلة الذات والسياق.

في ظل هذا الفراغ، تظهر “الموضة الفكرية” كبديل سطحي؛ تتحول الفكرة إلى ديكور لغوي، والمثقف إلى عارض أزياء معرفي، يتحدث بمصطلحات فخمة، دون أن ترتبط بالسياق أو تفكك الواقع.

والأسوأ، أن هذا الاستعراض اللفظي يُمارَس أحيانًا بوصفه سلطة لا تقبل النقد. فيُزَجّ بأسماء مفكرين كبار كشواهد رمزية لا كأدوات تحليل. تُستحضر مقولات فوكو أو دريدا أو غرامشي مثل علامات تجارية، دون العودة إلى ظروفها أو معانيها الأصلية. ويغيب السؤال: ما علاقتها فعليًا بما نناقشه هنا والآن؟

في هذا المشهد، يُقَدَّم الفكر كعرض ترفيهي، لا كمشروع نهضوي، ويغدو التفاعل مع النصوص الفكرية أشبه باختبار حفظ، لا دعوة للتفكير.

وإن بدا لبعضهم أن الجمهور مغرَّر بهذه “الفخامة الثقافية”، فإن الزمن كفيل بأن يُعرِّي كل من لم يُنتج فكرًا حقيقيًا. فالمثقف الذي لا يُنقّب في أسئلة الواقع، ولا يُقلقه المعنى، سيتحول عاجلًا أو آجلًا إلى ناقلٍ مشوّه، يتكئ على أسماء غيره دون أن يضيف جديدًا.

لقد بات المشهد الثقافي يعاني من استهلاك مفرط للمصطلحات، ومن “تسليع” الفكر ذاته. فالأفكار تُستهلك كما تُستهلك الموضات، وتُعاد تدويرها في محافل تستعرض الرمز لا المعنى.

وهنا يُطرح التساؤل الجوهري:
هل نعيش زمن المفكرين؟ أم زمن المستعرضين؟

المفكر الحقيقي لا تُقلقه الشهرة، بل المعنى. لا يبحث عن الوهج، بل عن الأسئلة. يعمل بصمت، يشكّك في المسلمات، يربط بين الواقع والمفاهيم. أما المستعرض، فيرتدي لغةً معقدة ظنًا أنها تليق بالعرض، لكنها في جوهرها لا تقول شيئًا.

في النهاية، لا مناص من العودة إلى الأصل:
الفكر لا يستقيم بلا معنى، والمعنى لا يُبنى بلا صلة بالسياق. والمثقف لا يكون مثقفًا إن لم يُشغَل بأسئلة مجتمعه، لا باستعراض محفوظاته.

نرجو أن نكون من أولئك الذين يُفكِّرون، لا من الذين يسعون فقط لأن يُبهِروا.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :