إنسانية ورحمة الملكة رانيا في عيد ميلادها
محمد بلقر
31-08-2025 06:11 PM
تشرفت بالعمل في مكتب جلالة الملكة رانيا العبدالله بالديوان الملكي الهاشمي في وقت مضى، حيث عايشت عن قرب حرص جلالتها وأهتمامها الشخصي بكل تفاصيل الحالات الانسانية، واهتمامها في خدمة الاطفال والأُسر الأكثر حاجة، بل كانت مُستمرة وفي جميع أنحاء المملكة، من العاصمة إلى القرى والمناطق النائية، حيث وصلت إلى قرية قطر ورحمة في أقصى الجنوب للإطلاع على أحوال الأُسر المحتاجة والتأكد من توفير الرعاية لهم.
وفي إحدى الأيام الممطرة بالعاصمة عمان، قامت الملكة بزيارة منزل عائلة تعيش في ظُروف صعبة للغاية. كان المنزل متواضعاً جداً، غرفة واحدة صغيرة، مطبخ متواضع، وساحة خارجية محدودة "حوش"، مع رائحة الإهمال التي تعكس صعوبة الحياة هناك. البابور كان مشتعلاً في الغرفة، وعلى النار وعاء من العدس يغلي، فيما الأطفال الستة والجدة الكبيرة في السن (تجاوزت منتصف الثمانينات) يحاولون التكيف مع الجو البارد والممطر، كانت الحالة صعبة.
أخبرت الجدة، وهي أم الأب، أن الأب والأم منفصلان وقد تركوا المنزل، تاركين مسؤولية العناية بالأطفال الستة على عاتقها. عند دخول الملكة، بدأت بسؤال الجدة عن الأطفال وعددهم وحالتهم، فأجابت الجدة أن الأطفال الذين تراهم ستة، جميعهم أبناء إبنها، وفي لحظة ذكية وهادئة، لاحظت الملكة أن أصغر الأطفال، الذي لم يتجاوز عمره السنة، مغطى بالكامل بغطاء النوم وغير ظاهر للآخرين، رفعت الملكة الغِطاء برفق ولمست رأس الطفل بحنان، مشهد يعكس إهتمامها العميق وحرصها على الإطمئنان على كل طفل صغير يفتقد الرعاية المباشرة.
لم يقتصر إهتمامها على الطفل فقط، بل حرصت على كامل تفاصيل الوضع: نظرت حول الغرفة، لاحظت الأوضاع الصحية للأطفل والجدة، تأكدت من سلامتهم الغذائية، وأعطت تعليماتها الفورية لتوفير المساعدات اللازمة، وتنظيف المنزل، وتأمين الاحتياجات اليومية للأطفال والجدة، مع متابعة مستمرة لحياتهم اليومية.
وفي وقت لاحق من الليل وبعد دوام يوم طويل، تلقيت إتصالا من مقسم الديوان يبلغني برغبة الملكة في الحديث مباشرة، حيث أطلعت الملكة جلالة الملك عبدالله الثاني على الحالة، وأمر فوراَ بنقل الاسرة كاملة الى مبرة
أُم الحسين لتوفير الرعاية الشاملة لهم. حيث تعامل فريق متخصص مع الأسرة بحذر شديد، وأخذ الأطفال لإجراء الفحوصات اللازمة في الخدمات الطبية الملكية للإطمئنان على صحتهم، خاصة الجدة المسنة، قبل أن يعودوا الى المبرة لتلقي الرعاية الكاملة والتعليم والمتابعة اليومية.
إن إنسانية الملكة رانيا العبدالله تتجلى في حرصها على التفاصيل الصغيرة التي قد تغفل عنها أعيُن الكثيرين، من الإطمئنان على نوم الطفل الرضيع، الى سؤال الجدة عن كل إحتياجات الأسرة اليومية، وإعطاء توجيهات فورية لضمان حياة كريمة، هذه المبادرات ليست مجرد أعمال رمزية، بل هي خطوات عملية تعكس التزامها العميق بتحسين حياة الأجيال الصاعدة، وتقديم نموذج يُحتذى به في العمل الإنساني والإجتماعي داخل الأردن وخارجه.
وبكوني كنت حاضراً، عايشت عن قرب هذا الحرص الشخصي، وشهدت أن كل تحرك من جلالتها يرافقه قلب ينبض بالعطاء، ورغبة صادقة في أن يشعر كل طفل وأسرته بالأمان والكرامة ، إن هذه المبادرات الإنسانية لا تقتصر على اليوم أو المكان، بل هي إمتداد لمسيرة مستمرة من العمل الهاديء والمؤثر الذي يجعل من جلالتها نموذجا للأمل والإلهام لكل من يعمل في خدمة الانسان والمجتمع. وتجمع بين الرؤية
اليوم في عيد ميلاد جلالة الملكة، تُجدد التهاني والتقدير لقيمها الإنسانية والتربوية، ولروحها التي تجعل من كل زيارة ومبادرة شاهدة على حنانها واهتمامها المباشر بالأطفال وعائلاتهم، ونحن كفريق عمل كنا معه عايشنا وشاهدنا هذه اللحظات الإنسانية العميقة.