الدبلوماسية الاردنية بوابة للاندماج السوري
د. خالد الحريرات البطوش
01-09-2025 11:47 AM
بعد عقود طويلة من العزلة التي عانت منها سوريا، ورثت الادارة الجديدة تركة مثقلة بالأعباء ومرهقة بالازمات، ويقع على عاتقها حل عدة قضايا وتسوية كثير من الملفات العالقة في الداخل وفي الاقليم وعلى المستوى الدولي ايضا، ومنذ تولي هذه الادارة للحكم في مطلع ايلول من العام الماضي دفع الاردن بكل امكانياته للمساعدة في انتقال سلس للسلطة في دمشق، وتبنت الدولة الاردنية موقفا داعما للنظام الجديد، وكان وزير الخارجية من اوائل من وصلوا الى دمشق ليس فقط للتعبير عن الدعم والتأييد، وانما لمد يد العون والمساعدة في وضع سوريا على المسار الامن في المرحلة الجديدة بعد سنوات طويلة من المعاناة عاش فيها السوريون فصولا من القهر والتهميش في الداخل، والعزلة عن العمق العربي وعن المجتمع الدولي، وبالتوازي افتقد العالم العربي الدولة السورية التي غابت عن التخطيط والمشاركة في الامن والتنمية، واغرقت بدلا من ذلك في هموم وازمات داخلية ارهقت الشعب واضعفت الدولة وجعلت منها رهينة لمصالح قوى اقليمية عاثت فيها فسادا ولم تترك لها سوى الخراب والدمار.
الرؤية الاردنية للمستقبل في سوريا تستقيم على اعتبارات قومية وبراجماتية في آن معا، فسوريا معلم بارز على خارطة الجغرافيا والتاريخ في الوطن العربي، والشعب السوري مكون اساسي في الانثروبولوجي العربي، وما التنوع الطائفي في الداخل السوري الا عينة صادقة على التنوع في المجتمع العربي الكبير، وخلق التناغم الطائفي في ذلك القطر يشكل مفتاحا لتوظيف التنوع في العالم العربي ليكون مصدرا للثراء المجتمعي و مساحة للتعددية التي تتقبل الاختلاف دون ان تثير الخلاف.
ومن جهة المنفعة، لا شك ان الجوار الاردني لسوريا يفرض علاقة ثنائية خاصة تكتسب طبيعة متفردة في التعاطي مع الملف السوري، فالاستقرار في الجنوب السوري مصلحة اردنية واضحة تتمثل في بقاء الحدود الشمالية آمنة ومستقرة، وسيطرة السلطات السورية على حدودها يضع حدا لتهريب الاسلحة والمخدرات الى الداخل الاردني بعد انفلات امني خلال حكم النظام السابق وضع حرس الحدود الاردني في حالة استنفار طوال تلك الفترة.
اجتماع العزلة السابقة مع حداثة تجربة الادارة الجديدة في التفاعل مع القضايا المحلية والاقليمية دعا القيادة السورية الى التعاون مع الدبلوماسية الاردنية الضليعة في فك تعقيدات الملفات الساخنة، والاردن رحب بهذه الرغبة وسارع لوضع خبراته في خدمة القضية السورية منذ بداية الازمة، وقد استثمرت الدبلوماسية الاردنية صلاتها باطراف دولية واقليمية في تحقيق التهدئة في احداث العنف التي اجتاحت محافظة السويداء قبل اكثر من شهر، وحرصت على جمع الجانب السوري مع المبعوث الاميركي في عمان، وسخرت الدبلوماسية الاردنية القنوات الرسمية مع اطراف متعددة لجعل تلك التهدئة ممكنة على ارض الواقع، ولا زالت الجهود مستمرة في هذا الاتجاه، فالاردن يعمل وفق استراتيجية لادماج سوريا وعودتها الى الصف العربي، ويقدم نصيحة خالصة للاشقاء في سوريا في شتى القضايا، ويحرص على وحدة الدولة السورية وسلامة اراضيها ورفاه شعبها، واذ تحمل الاردن عبء اللجوء السوري خلال السنوات السابقة، فانه يستمر في التعامل مع اللاجئين على اسس انسانية وقانونية، ويتطلع الاردن الى بناء العلاقة بالاشقاء السوريين على اسس من الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ويجد في المصالح المشتركة وحسن الجوار معيارا اساسيا في صياغة هذه العلاقة وتحديد طبيعتها.