facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




هزاع ووصفي والروابدة والفايز .. وجوه في ذاكرة الهوية الوطنية


د. بركات النمر العبادي
02-09-2025 10:41 AM

في سجل الأوطان لحظات لا يطويها النسيان ، ورجال لا يذوب حضورهم في غبار الأيام ، لأنهم ارتبطوا بالهوية ذاتها ، وصاروا رمزاً لكل ما هو أصيل في الذاكرة الوطنية ، رجال حملوا فكرة الدولة على أكتافهم وفي عقولهم ، فكانوا حراسها الأوفياء وحماة كرامتها ، ومن دمائهم وعرقهم تشكّل المعنى الحقيقي للوطن ، ومن بين هؤلاء يسطع اسم هزاع المجالي ، الذي صعد شهيداً صباح يوم الاثنين التاسع والعشرين من آب عام 1960 حين دوّى الانفجار في دار رئاسة الوزراء ، فأراد القتلة أن يطفئوا نور الدولة ، لكنهم أشعلوا بدمه ناراً من الوعي الشعبي، وفتحوا باباً لمعنى جديد من معاني التضحية ، لم يكن هزاع مجرد رئيس وزراء ، بل كان رمزاً للتأسيس الصعب ورجلاً جسّد الوطنية بالعمل والموقف ، فصار دمه جرساً يذكّر كل جيل أن الكرامة ثمنها غالٍ ، وأن السيادة لا تُصان إلا بالتضحيات.

وبعد أحد عشر عاما ً، تكرر المشهد الموجع ، لكن هذه المرة في القاهرة ، حيث أُطلق الرصاص على جسد وصفي التل يوم الثامن والعشرين من تشرين الثاني عام 1971 اغتيل وصفي لأنه تمسّك بمبادئه ، ورفض أن يكون الأردن تابعاً أو ساحةً لتصفية الحسابات ، رحل وصفي تاركاً في قلب كل أردني جمرة لا تنطفئ ، فقد رأوا فيه رجل الدولة الحق ، الذي لا يهادن في السيادة ، ولا يتاجر بالوطن ، لقد صار وصفي أسطورة في الوجدان الشعبي ، حتى غدا اسمه مرادفاً للصلابة والوفاء، ولشجاعة القرار ونقاء الانتماء.

وبين دم الشهيدين، وامتداد المسيرة ، برزت أسماء رجالات دولة حملوا الحكمة والبصيرة في زمن التحديات ، كان عبد الرؤوف الروابدة واحداً من هؤلاء ، رجل جمع بين الفكر السياسي والقدرة على التوازن في أصعب اللحظات ، تولى رئاسة الوزراء عام 1999، في لحظة دقيقة من عمر المنطقة والاقليم ، فكان صوته صوت العقل ، ورؤيته تجسيداً لمدرسة ترى في الوطنية التزاماً وفي المسؤولية أمانة ، لم يكن الروابدة ساعياً وراء وهج السلطة ، بل كان حارساً لهيبة الدولة وذاكرة هويتها ، يذكّر الأردنيين أن السياسة ليست منصات للجدل الفارغ ، بل حقلٌ من حقول خدمة الوطن وصيانة كرامته.

أما عاكف الفايز، شيخ السياسيين وصوت الأصالة ، فقد كان وجه الأردن العشائري والرسمي معاً و الذي حمل إرث القبيلة بعمق ، وجمعه بواجب الدولة ، فكان رمزاً لجسرٍ متين بين المجتمع ومؤسسات الحكم ، و عُرف بثباته واعتداله ، وكان حاضراً في البرلمان والحكومات ، لكن حضوره الأهم كان في ذاكرة الناس الذين وجدوا فيه صورة للرجل الأصيل الذي لا يفرّط بالثوابت ، و لقد جسّد عاكف الفايز معنى أن تكون المحافظة على الهوية ليست مجرد خطاب سياسي ، بل عهداً راسخاً في الروح ، يوازن بين الأصالة والتجديد ، وبين العشيرة والدولة.

إن سير هؤلاء الرجال ، هزاع ووصفي والروابدة والفايز وغيرهم رجال لكل واحد منهم دوره المتميز في خدمة الهوية الوطنية ، وليست فصولاً من الماضي ، بل أبواباً مفتوحة على المستقبل ، ففي زمن الهدم السهل والشعارات الزائفة ، نحن أحوج ما نكون إلى قراءة سيرهم ، لا كأحداث تاريخية ، بل كدروس حية تعلّمنا كيف يكون رجل الدولة ، وكيف تكون الوطنية موقفاً ثابتاً في العواصف ، وكيف تُصان الهوية الوطنية بالمبادئ لا بالمصالح.

رحم الله هزاع المجالي، شهيد الدولة والكرامة، الذي علّمنا أن التضحية أصل البناء ،ورحم الله وصفي التل، شهيد المبادئ، الذي أثبت أن الكلمة الصلبة قد تكلّف الدم لكنها تخلّد الوطن، ورحم الله عاكف الفايز، شيخ الأصالة والسياسة، الذي جمع العشيرة بالدولة في عهد الوفاء ، وحفظ الله عبد الرؤوف الروابدة ، رجل الحكمة وصوت العقل ، الذي بقي شاهداً على أن الوطنية التزام يومي لا ينكسر.

ولعلنا إذ نستعيد ذكراهم اليوم ، ندرك أن موت الرجال الكبار لا يعني الغياب ، بل يعني أن أرواحهم صارت جزءاً من هواء هذا الوطن ، تسكن ترابه وتتنفس مع جباله وسهوله ، وتذكّرنا أن الأردن لم يُبنَ صدفة ، بل بدماء الشهداء ، ودموع الأمهات ، وعرق الرجال البناة الاوائل حراس الهوية الذين آمنوا أن الدولة فكرة وهوية وطنية تستحق أن نحيا ونموت من أجلها.

حمى الله الاردن و سدد على طريق الحق خطى قيادته وشعبه





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :