العلم الأردني مرفوع في القلوب قبل أن يُرفع على أي سارية، فهو رمز السيادة والوحدة والكرامة. غير أن الانتماء الحقيقي لا يقاس بعدد الأعلام المثبتة أمام المباني، بل بما يترجمه المواطنون من عمل مخلص وجاد في خدمة مدينتهم ووطنهم.

قرار أمانة عمان بإلزام البنايات بنصب سارية علم أمامها قد يبدو للوهلة الأولى لفتة وطنية، لكنه في الواقع يطرح تحديات عملية وحياتية لا يمكن تجاهلها. فهذه الساريات ستتحول إلى حواجز فيزيائية على الأرصفة، تعيق حركة المشاة، وتضيق عليهم، وتزيد من صعوبة مرور ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن. كما أن الأعلام، بحكم تعرضها المستمر للشمس والغبار والرياح، ستتلف بسرعة وتحتاج إلى تجديد دائم، الأمر الذي يفرض أعباء مالية متكررة على المالكين والمستأجرين.

إن إلزام المواطن بما يثقل كاهله لا يعزز الانتماء، بل قد يولد شعورًا عكسيًا، لأن حب الوطن لا يُفرض بقرارات فوقية. بل يُبنى عبر شراكة حقيقية بين المواطن والبلدية في مشاريع ملموسة. وهنا تبرز البدائل الأكثر نفعًا وعمقًا:

-تشكيل لجان أحياء تضم سكان كل منطقة للعمل بروح الفريق.

-إطلاق حملات تطوع وصيانة لإصلاح الحفر والتصدعات في الشوارع والأرصفة والكندرين.

-وقاية البنية التحتية من التهالك المبكر بما يوفر كلفًا مالية ضخمة على الأمانة والبلديات.

-تعزيز السلامة العامة والحد من الحوادث التي يتعرض لها المشاة والسائقون بسبب سوء الطرق.

هذه الأعمال البسيطة، إذا تمت بتنسيق بين الأمانة والمجتمع المحلي، وحتى كل بلديات المملكة وسكان المدن والقرى، ستوجد وعيًا جمعيًا بالمسؤولية المشتركة، وتغرس الانتماء بالفعل لا بالشكل.

فالانتماء الصادق يتجلى حين يتعاون المواطنون على ترميم حيهم، وتنظيف شارعه، وزراعة أشجاره، وحماية أطفاله من الأخطار، لا حين تُزرع أمام أعينهم سارية لا تعكس بالضرورة ما في قلوبهم.

إننا ندعو أمانة عمان إلى التراجع عن هذا القرار، والالتفات إلى استثمار طاقات الناس في مبادرات عملية ومستدامة تُشعر كل مواطن أن يده في يد مدينته ووطنه. بذلك فقط نترجم معنى الولاء والانتماء، ونرفع علم الأردن عاليًا في السماء والقلوب معًا...