facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




ذاكرة الطباشير والنجوم


عاطف أبوحجر
06-09-2025 10:51 AM

تمرّ السنوات وتتعاقب الأجيال، ولكن تظل بعض الأسماء راسخة في الذاكرة، لا تمحوها الأيام ولا تغيرها مشاغل الحياة. من بين هؤلاء، يقف الأستاذ والمربي الفاضل المرحوم "حسن أبو قريق الخريسات" شامخًا في الذاكرة، كما كان شامخًا في المدرسة، وفي المجتمع، وفي كل قلب عرفه أو تتلمذ على يديه.

رحل الأستاذ حسن، لكن ذكراه لم ترحل. بقيت حية في عقولنا، في ضحكته التي ما زالت ترنّ في الأذن، في طريقته في التعليم، في هيبته المحببة، وفي كلماته التي كانت تُنبت فينا احترامًا للعلم والمعرفة والانضباط.

أتذكر جيدًا يومي الأول في مدرسة البلقاء بالعيزرية في مدينة السلط، قبل أكثر من خمسين عامًا ونيف. كان صباحًا مختلفًا، اختلط فيه الخوف من المدرسة بشغف الاكتشاف، حتى دخلت الصف، ووقفت أمامك. استقبلتنا كأب قبل أن تكون معلمًا. وجهك البشوش، وضحكتك الهادئة، وصوتك الحنون... كل شيء فيك كان مطمئنًا.

علمتنا الحروف، لكنك كنت تزرع فينا ما هو أعظم من ذلك: علمتنا الأدب، والنظام، والانتماء. كنت تدخل الصف ببدلاتك الأنيقة، الزاهية الألوان، فنشعر بالفخر أننا طلاب معلم يُقدّر العلم والمظهر، ويحرص على أن يكون قدوة بكل تفاصيله.

ولا أنسى تلك اللوحة التي عُلّقت على الحائط – لوحة النجوم. كانت أشبه "بشرفية صغيرة" تمنحنا الدافع لنكون الأفضل. وكنا ننتظر أن نرى أسماءنا تحت نجمة، بخط يدك الجميل، فنتسابق إلى التميّز.

حتى العصا التي كنت تمسكها، لم تكن أداة خوف، بل رمزًا للهيبة والاحترام. لم ترفعها على أحد، ولم تضرب بها أحدًا، بل كنت تطرق بها على الرحلاية وتقول بصوتك الحازم الطيب: "سكوت!"، فيسكن الصف كله في لحظة، احترامًا لك، لا رهبة منك.

كنتَ واحدًا من أولئك المعلمين الذين يصعب تكرارهم، جمعت بين الحزم والرحمة، بين قوة الشخصية ودفء القلب. لم تكن مجرد معلم في صف، بل كنت مرجعًا أخلاقيًا وسلوكيًا وتربويًا. علمتنا كيف نكون أوفياء، كيف نحترم الآخرين، وكيف نحترم أنفسنا أولًا.

ورغم مرور السنوات، وتغيّر الأحوال، وبُعد المسافات، كنتَ لا تزال حاضرًا في كل لقاء، وكل شارع، وكل مناسبة. ما إن نراك، حتى نقف احترامًا، وننحني تقديرًا. لك هيبة لا تزول، ولك مكانة لا تُشترى، لأنها صُقلت على مدى سنين بالعطاء والإخلاص.

واليوم، وقد غيّبك الموت، نودّعك بعيون دامعة وقلوب ممتنّة. نرثيك كما نرثي الأب، ونذكرك كما نذكر أولى خطواتنا في طريق العلم.
رحمك الله رحمة واسعة، وجزاك عنا خير الجزاء، فقد كنت من الذين زرعوا فينا الخير، وتركوا فينا أثرًا لا يُمحى.

نم قرير العين، أيها المعلم الجليل، فذكراك باقية...

كما الطباشير على اللوح،

وكما النجوم على الحائط،

وكما المحبة الصافية في القلب.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :