facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الانفصام الدولي وتآكل الشرعية الأممية في حرب غزة .. عجزٌ معولم وشرعية تتهاوى


صالح الشرّاب العبادي
09-09-2025 12:05 PM

تبدو حرب غزة اليوم كاشفة لاختلال النظام الدولي أكثر من كونها صراعًا محليًا أو إقليميًا. فالمتابع للمشهد يلحظ هوّةً واسعة بين سيل القرارات والتصريحات الصادرة عن الأمم المتحدة ومؤسساتها الحقوقية، وبين الواقع الدموي الذي تصنعه آلة الاحتلال يوميًا في غزة والضفة الغربية.

قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان ومنظمات الإغاثة الأممية، جميعها تدعو إلى وقف إطلاق النار، حماية المدنيين، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية. لكن في المقابل، تتواصل عمليات القصف المكثف، والتهجير القسري، والتدمير الشامل للبنية التحتية، وكأن هذه القرارات مجرد نصوص عاجزة، لا تمتلك آليات للإنفاذ ولا إرادة سياسية تحميها.

هذا الانفصام يعكس بوضوح حالة تآكل الشرعية الدولية، حيث تحوّلت المؤسسات الأممية إلى ساحة صراع نفوذ بين القوى الكبرى، بدلًا من أن تكون مظلة تحمي القانون الدولي. وإسرائيل، بدعم أمريكي وغربي مباشر، تدرك أن أي قرار لن يجد طريقه إلى التنفيذ بفعل الفيتو أو الضغط السياسي، ولذلك تمضي في حرب إبادة مكشوفة، غير عابئة بالانتقادات أو الإدانات أو الشجب والاستنكار، التي لم تعد تساوي الورق الذي تُكتب عليه، ولا تعب الأوتار الصوتية التي تتردد خلف ميكروفونات المنابر الدولية.

سقطت ورقة التفاوض بالتعنت والرفض والمراوغة والكذب من قبل نتنياهو وزمرته، فيما يقف المجتمع الدولي عاجزًا عن اتخاذ أي إجراءات أو قرارات حقيقية ضد إسرائيل.

من منظور استراتيجي، يمكن القول إن هذه الحرب تُعجّل بانتقال النظام الدولي من مرحلة “التعددية الشكلية” إلى مرحلة منطق القوة العارية، حيث تحل حسابات الردع والتحالفات محل القانون. وبهذا المعنى، فإن غياب الموقف الحاسم من حرب غزة لا يعكس مجرد شلل سياسي، بل يؤشر إلى إعادة صياغة ميزان الشرعية الدولي، بما يفتح الباب أمام مزيد من الحروب الإقليمية التي ستجد في النموذج الإسرائيلي سابقة خطيرة.

وفي قلب هذا المشهد، يبرز الموقف العربي بوصفه الحلقة الأضعف؛ إذ لم يتمكن من تشكيل كتلة صلبة للضغط أو فرض مقاربة بديلة. بل إن بعض الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل – من كامب ديفيد إلى وادي عربة واتفاقيات أبراهام – تحولت إلى أدوات ضغط إقليمي ودولي محدودة، لم تُستثمر بفاعلية ولم تُلوّح كورقة ردع حقيقية. بل يُخشى أن تتجاوز إسرائيل هذه الاتفاقيات وتجعلها في طي النسيان، طالما أنها تفرض قوتها بدعم غير محدود من الإدارة الأمريكية، متحررة من أي رادع، وخارج إطار أي التزام بالعالم أو بالقانون الدولي.

الخلاصة أن الانفصام بين الخطاب الدولي والواقع الميداني في غزة لا يمثل عجزًا مؤقتًا، بل يكشف انهيار منظومة الردع القانونية التي تأسس عليها النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية. وبقدر ما يفضح هذا العجز الدولي والعربي، فإنه يعزز صوت الشعوب وحركات التضامن العابرة للحدود. لتبقى غزة، رغم الألم والدمار، معيارًا أخلاقيًا صارخًا يكشف هشاشة العالم أمام اختبار الحقيقة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :