هل يتعلم العرب درساً من ضربة قطر؟
د. محمد حيدر محيلان
11-09-2025 10:59 AM
الضربة الإسرائيلية لقطر لم تكن حادثاً عابراً في مسار الصراع، بل كانت رسالة سياسية وأمنية بالغة القسوة، مضمونها أن إسرائيل تتحرك في المنطقة بلا رادع، وأنها لا تعترف لا بصديق ولا بوسيط، بل تنظر إلى الجميع من زاوية أمنها ومصلحتها فقط. إن استهداف الدوحة، وهي الدولة التي كثيراً ما لعبت أدوار الوساطة وابتعدت عن المواجهة المباشرة، يكشف حجم الاستهتار بالسيادة العربية، ويطرح سؤالاً صريحاً: إذا لم تكن قطر في مأمن، فهل هناك دولة عربية محصنة؟
ردود الفعل العربية جاءت على قدر التوقع: بيانات شجب واستنكار من مختلف العواصم، بعضها حمل نبرة قوية في الإدانة، وبعضها اكتفى بالتعبير عن القلق. دول الخليج بدت أكثر تماسكا، وأجمعت على رفض هذا الانتهاك الصارخ، مؤكدة أن أمن قطر من أمنها. السعودية على وجه الخصوص عبرت عن موقف داعم للدوحة، ودعت إلى ضبط النفس وحماية استقرار المنطقة، وهو موقف يُحسب لها ويعكس إدراكاً لمسؤولية الرياض القيادية في الخليج والعالم العربي. غير أن هذا كله، على أهميته المعنوية، يحتاج إلى مزيد من التكاتف وتوحيد الصف والكلمة، أمام تحديات وعدوان من هذا الحجم، والذي قد يتطور ليطال دولاً وعواصم أخرى.
المشهد يتطلب ما هو أبعد من البيانات، فإسرائيل لم تتراجع يوماً أمام لغة الاستنكار والشجب، ولا توقفت عن انتهاكاتها بسبب عبارات التضامن. التاريخ القريب يشهد: من قصف مفاعل العراق إلى ضرب تونس ولبنان وسوريا، ظلت إسرائيل تختبر الموقف العربي وتستغل حالة التشرذم. واليوم، مع غياب قمة طارئة أو تحرك جماعي ضاغط، تبدو الرسالة واضحة: الميدان مفتوح أمام مزيد من الانتهاكات والتجاوزات، إذا لم تتشكل إرادة عربية حقيقية يكون لها صولة وجولة، تظهر العين الحمراء لإسرائيل وغيرها.
الأردن أرسل ولي العهد سمو الأمير الحسين إلى الدوحة في خطوة رمزية حملت معاني مؤازرة أخوية، وأكدت أن التضامن يمكن أن يتجسد بالفعل لا بالقول وحده. وكذلك كانت المواقف الخليجية والسعودية غاضبة وأدانت الفعل الإجرامي الإسرائيلي الذي ينتهك سيادة دولة قطر ومبادئ الأمم المتحدة والأعراف الدولية، إلا أن الموقف يتطلب أن تتحول هذه المواقف إلى استراتيجية ردع جماعية، وإلى جبهة عربية متماسكة قادرة على حماية سيادة كل بلد.
الحلول العاجلة ليست خياراً ثانوياً، بل ضرورة وجودية في هذه المرحلة. فالمطلوب أولاً الدعوة إلى قمة عربية طارئة تضع حداً للتراخي وتقر خطة دفاعية واضحة، يتفق فيها القادة على أن أي اعتداء على دولة عربية هو اعتداء على الجميع. ويجب أن يعقب ذلك تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك وتحويلها من نصوص حبيسة الأدراج إلى التزامات عملية، من خلال تدريبات ومناورات عسكرية مشتركة، وتأسيس مركز عربي للتنسيق الأمني والدفاعي يعمل على مدار الساعة لتبادل المعلومات واتخاذ القرارات العاجلة. كما أن من الضروري إنشاء صندوق دعم دفاعي عربي يضمن أن لا تبقى أي عاصمة وحيدة في مواجهة الخطر، إضافة إلى توحيد الموقف السياسي والإعلامي والدبلوماسي عربياً، بحيث يدرك العالم أن العرب يقفون صفاً واحداً أمام أي انتهاك.
لقد آن الأوان أن يدرك العرب أن حماية الأوطان لا تأتي من التحالفات والتبعيات الخارجية الوهمية، ولا من رهانات على قوى كبرى قد تساوم على أمن المنطقة، بل من بناء قوة ذاتية، ومنظومة ردع مشتركة تجعل أي اعتداء مغامرة باهظة الثمن. إن ضربة قطر جرس إنذار صارخ: فإما أن تكون بداية صحوة تعيد للعرب وحدتهم وقدرتهم على الردع، أو أن تكون بداية تنمر واستقواء وفرض هيمنة اسرائيلية على المنطقة وابتداء استراتيجية اعادة تشكيل الشرق الاوسط التي يترنم بها نتن ياهو ، و ستكون بداية سليلة جديدة في سجل طويل من الانتهاكات التي لم تجد من يوقفها عند حدها.