في قلب الديسة، تلك الواحة الخضراء التي تتوسّد رمال الصحراء الذهبية، تنبض قصة أردنية استثنائية تحاكي روح الأرض، وتؤكد أن جذور الانتماء أعمق من حدود المكان.

هنا، في جمعية قُرى حوض الديسة، التقيت نساءً يصنعن من الصحراء واحة أمل، ويحوّلن البادية إلى مختبر حي لإعادة الغطاء النباتي والحفاظ على الأشجار الأصيلة.

في مقدمة هؤلاء السيدات تقف السيدة قطنة، بصلابتها وشغفها، لتجسّد الإرادة الأردنية في أبهى صورها. فما تقوده الجمعية ليس مجرد مشروع زراعي، بل حكاية انتماء تعيد ربط الإنسان بأرضه، وتحفظ ذاكرة المكان عبر أشجار تعود إلى مواطنها الأصلية.

المرأة والشباب… نبض التجديد

ما شدّني في هذه التجربة هو تلك الروح الجماعية التي جمعت بين النساء والشباب؛ سيدات الديسة يزرعن الأمل، وشباب المنطقة يتحولون إلى روّاد تغيير يؤسسون لنهج جديد من التنمية المستدامة.

هذه الشراكة بين أجيال مختلفة تجعل من الديسة اليوم أكثر من مجرد قرية جميلة؛ إنها مدرسة بل جامعة تخرّج أجيالاً تعرف كيف تحافظ على الأرض وتبتكر مستقبلها.

منتج سياحي جديد…

وخلال زيارتي بصفتي مفوضًا للسياحة والشباب في سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، ولدت فكرة منتج سياحي نوعي يليق بجمال وادي رم والديسة.

ليس مجرد نشاط سياحي، بل تجربة عالمية فريدة تتيح للزوار من كل مكان المشاركة في زراعة الأشجار الأصيلة والمساهمة في إعادة الغطاء النباتي، لتبقى الصحراء نابضة بالحياة.

هذه الفكرة جاءت بمبادرة شبابية واعدة، وسنعلن عنها قريبًا لتكون باكورة مشاريع السياحة البيئية الرائدة التي تجمع بين المغامرة، الوعي البيئي، وتمكين المجتمعات المحلية.

الديسة… رسالة تتسع للوطن كله

وأنا أغادر الديسة، أدركت أن ما تفعله السيدة قطنة ورفيقاتها أكبر من مشروع بيئي؛ إنه عمل وطني يعيد تعريف الدفاع عن الوطن، فغرس شجرة هنا يوازي بناء جيل هناك.

إن الاستثمار في المرأة والشباب، وتحويل البيئة إلى قيمة سياحية واقتصادية، هو الطريق الأضمن لصناعة مستقبل مزدهر يضع الأردن في طليعة الدول التي تجمع بين التنمية المستدامة والهوية الأصيلة.

حمى الله الأردن، ومليكه، وولي عهده، وشعبه… وعاش الوطن، وعاش الشباب.