العدوان على الدوحة .. اختبار التعاون المشترك
صالح الشرّاب العبادي
14-09-2025 08:31 AM
القصف الإسرائيلي الذي استهدف العاصمة القطرية لم يكن موجهاً لقادة حماس فقط ، بل كان موجه لكل المنظومة الخليجية والعربية ، فالدوحة اليوم لم يحْمِها لا وجود القواعد الأميركية على أراضيها، ولا علاقاتها مع واشنطن وتل أبيب، ولا استضافتها للوفود الأميركية والإسرائيلية وجهود التفاوض الطويل على ارضها ، ما جرى هو عدوان سافر على دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي وعضو في الجامعة العربية ، وعلى سيادة عربية يفترض أن تُصان باتفاقيات الدفاع المشترك.
اختبار للتحالف الخليجي
هذه الحادثة تمثل اختبارًا حقيقيًا لمجلس التعاون بل للجامعة العربية واتفاقيات الدفاع المشترك هذا إذا كان هناك دفاع مشترك حقيقي ، هل هذه مجرد كيانات شكلية تُصدر بيانات رتيبة؟ أم أنه بالفعل تكتل أمني وسياسي قادر على حماية أعضائه؟
الاتفاقيات الموقعة بين دول الخليج – وفي مقدمتها اتفاقية الدفاع المشترك – تنص بوضوح على أن أي اعتداء على دولة عضو يُعد اعتداءً على الجميع. فأين الترجمة العملية لهذا النص بعد أن اخترقت إسرائيل الأجواء وضربت قلب الدوحة؟ وستضرب تترى والحبل على جرار نتنياهو..
ما جرى يضع المنظومة الخليجية التي والتي يجب أن تكون مظلّة أمنية جماعية امام التحديات ، حتى لا تكون قطر نموذج دولة تواجه العدوان وحدها اللهم إلا الدعم المعنوي والإدانات والشجب والاستنكار ووصف العدوان بالجبان وهذه الاجراءات بالنسبة لإسرائيل هي عبارة عن ( زوبعة في فنجان ) . والأخطر من ذلك أن إسرائيل أرسلت رسالة مباشرة لكل عواصم الخليج بل والعواصم العربية كلها : “لا تعوّلوا على اتفاقياتكم، ولا تراهنوا على تحالفاتكم، ولا على قرارات مجلس الامن التي لا تعني اسرائيل ولا تمثلها ، نحن نفعل ما نشاء متى نشاء.” وهاهو نتنياهو يهدد ويعربد ويأمر وينهي .. ويوجه كلامه إلى قطر : إذا لم يتم تسليم او طرد قادة حماس ، سنفعل نحن .. اي إسرائيل..
إذا كانت الدوحة.. فماذا لو كانت عاصمة غيرها؟
إذا كانت اتفاقية الدفاع المشترك الخليجي لم تُفعَّل حين قُصفت قطر، فكيف ستتحرك الدول العربية تجاه العدوان السافر على الفلسطينيين في الضفة الغربية؟ وكيف ستتحرك بفاعلية عن وقف الإبادة في غزة؟
وماذا لو تعرضت دول محورية مثل الأردن أو مصر لعدوان إسرائيلي مباشر؟ ألا يكفي أن سوريا ولبنان واليمن اصبحت أرض مستباحة ، تُقصف ليل نهار دون أي تحرك عربي جاد؟
إنها الحقيقة المرة: كل هذه الاتفاقيات التي تُسمى “دفاعًا مشتركًا” يجب أن لا تكون بنداً جامداً فقط مادة في اتفاقات ، او انها صيغت للزينة الدبلوماسية من دون أدنى نية لتطبيقها عمليًا .
الرسالة لقطر والخليج والدول العربية
الدرس القاسي أن الأمن لا يُستورد لا من واشنطن ولا من القواعد الأجنبية، بل يُبنى من الداخل ومن وحدة الصف. اليوم، قطر أحوج ما تكون إلى سند خليجي حقيقي وسند عربي استراتيجي ، لكن المؤسف أن الاختبار كشف فراغًا مروّعًا، وأكد أن التضامن العربي والخليجي لا يزال مجرد وهم يُتداول في الخطابات الرسمية ، والأدهى والأمر ان هناك من يتجاوز البروتوكولات الدبلوماسية إلى مد اليد في الخفاء واللعب مع من يمسك خيوط اللعبة ومع من يخترق ويضرب ، حتى يضمن دوراً غير مسبوق له و موطيء قدم مستقبلاً معتقداً انه في مأمن .. ولا يستيقظ إلا بعد ان يقال له ( النار كلت ثوبك )
إن لم يكن العدوان الإسرائيلي على الدوحة سببًا كافيًا لإطلاق موقف خليجي وعربي عملي موحد، فمتى يكون؟ وإن لم تتحرك الدول العربية دفاعًا عن عضو في ( جامعتها العربية ) تتعرض لانتهاك صارخ لسيادته، فمتى ستتحرك؟
إنه اختبار ، والنتيجة حتى الآن لم تترجم إلى واقع مؤثر بشكل فاعل على اسرائيل : مجالس يجب أن تكون على قدر ما تملك من امكانات ، اتفاقيات يجب أن تدب بها الروح ، وأمة كاملة تُقاد من تحدي إلى آخر بينما عدوها يضرب في كل اتجاه دون رادع .
ومع أن قوة الرد السياسي والدبلوماسي والإقليمي والأممي والإجراءات بدأت قوية ولا زال صداها يتردد إلا أن هناك من يحاول جر العربة إلى الخلف ..وإحباط حتى هذه الاجراءات وتخفيف حدتها وآثارها ونتائجها على اسرائيل..
يجب ونأمل ذلك، ان لا نصل الى المرحلة التي ستقول بها مجموعات الدول العربية لكل دولة عربية باللغة العربية وباللهجة المحكية :
( كل شاه معلقة بعرقوبها .. وكما تقال بلغة الغرب :
Each sheep is left to hang by its own neck ).
العالم العربي لديه أوراق وادوات ضغط قوية مع دول العالم ، وتؤثر على اسرائيل وعلى من يدعمها .. فهل سيتمخض عن قمة الحكام العرب غد او بعد غد قرارات عملية تنفيذية فورية ضد إسرائيل ؟ ام ان هناك فيتو عربي خفي يعرقك القرارات ؟.