facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




إسرائيل الكسرة: وهم القوة .. وحدود الجندي لا حدود الدولة


د. بركات النمر العبادي
15-09-2025 11:35 AM

المقدمة

منذ اللحظة الأولى لولادة الكيان الصهيوني عام 948، سعى إلى بناء صورة عن نفسه بوصفه "دولةً لا تُهزم"، وأنه قادر على فرض إرادته العسكرية والسياسية على محيطه العربي ، غير أن هذا الادعاء لم يكن سوى وهماً مركّباً ، يستمد قوته من دعم الغرب الاستعماري من جهة ، ومن حالة الضعف العربي وقصور الوعي الجمعي من جهة أخرى ، ولعلّ أدق توصيف يمكن إطلاقه على هذا الكيان هو "إسرائيل الكسرة": كسرة في الجغرافيا ، وكسرة في التاريخ ، وكسرة في الوعي العربي ، لا تكتمل بها خريطة ولا يستقيم معها سياق.

الوهم الإسرائيلي : حدود الجندي لا حدود الدولة

أحد أكثر الشعارات حضوراً في الفكر الصهيوني هو أن "حدود إسرائيل هي حيث يقف آخر جندي لها" ، هذه المقولة ، التي تتردّد منذ قيام الدولة العبرية ، تكشف في عمقها عن حقيقة خطيرة : إسرائيل لم تحدّد لنفسها حدوداً طبيعية أو قانونية نهائية ، بل تركتها مفتوحة على مشروع توسعي يقوم على الاحتلال ، و الدولة الطبيعية تُعرَّف بخرائطها وسيادتها ، أما إسرائيل فتعرف نفسها بجنودها وأسلحتها.

غير أنّ هذا الوهم ما كان ليستمر لولا حالة التشتت العربي وقصور الوعي الجمعي ، لقد استثمرت إسرائيل الانقسام السياسي العربي وضعف الإرادة القومية لتُقدّم نفسها قوةً لا تُقهر ، إلا أنّ هذه المعادلة هشة ؛ فالجندي يمكن أن يتقدّم مؤقتاً ، لكن لا يمكنه أن يزرع شرعية دائمة في أرض يرفضه شعبها ، وهكذا تتحول "حدود الجندي" إلى دائرة حصار تحاصر إسرائيل نفسها ، حيث يصبح كل توسع مقدمة لعزلة أكبر، وكل احتلال وقوداً لمقاومة أشرس.

فقد شهد حالة الصراع العربي شواهد كثيرة على خطاء هذا الاعتقاد ، وذلك كما حدث في معركة الكرامه عام 1968 في الاردن ، ومعركة سيناء مع الجيش المصري وعبور القناة عام 1973، فذهبت مقولة الجيش الذي لا يقهر وتلاشت على ايدي الجنود العرب.
هشاشة القوة وبنية القلق

أظهرت التجارب التاريخية ، من حرب 1948 مروراً بنكسة 1967 وصولاً إلى حروب غزة ولبنان ، أن إسرائيل رغم تفوقها العسكري تبقى عاجزة عن تحقيق استقرار استراتيجي ، و الباحث الأميركي جون ميرشايمر (جامعة شيكاغو) يشير إلى أن التفوق العسكري الإسرائيلي لا يُترجم بالضرورة إلى أمن مستدام ، لأن الاحتلال يولّد مقاومة لا تهدأ ، وفي السياق ذاته ، يرى المؤرخ العربي عبد الوهاب المسيري في موسوعته عن اليهود واليهودية والصهيونية أن إسرائيل "دولة وظيفية"، أي كيان هشّ يقوم بدور محدد في المشروع الغربي، وليس دولة طبيعية ذات جذور تاريخية.

إسرائيل كسرة في الوعي العربي

على المستوى الرمزي ، مثّلت إسرائيل "كسرة" في الوعي الجمعي العربي ، فهي الجرح المفتوح الذي عرّى هشاشة الأنظمة العربية وأعاد طرح سؤال الهوية والمصير ، و لكن هذه الكسرة ليست قدراً ، بل يمكن أن تتحول إلى منطلق لنهضة جديدة ، إذا ما استعاد العرب زمام المبادرة ، و المفكر المغربي محمد عابد الجابري كان قد أشار في مشروعه "نقد العقل العربي" إلى أن الهزائم ليست مجرد هزائم عسكرية ، بل فكرية ومعرفية ، وأن استعادة الوعي شرط أساسي لأي مواجهة استراتيجية.

اسرائيل حدود بلا شرعية

رغم مرور أكثر من سبعين عاماً ، لا تزال إسرائيل دولة بلا حدود نهائية معترف بها ، فحدودها مع مصر والأردن مرسومة باتفاقيات سلام ، لكنها مع لبنان وسوريا وفلسطين تبقى حدوداً مؤقتة ، مرهونة بوقف إطلاق النار أو قرارات أممية ة ، و هذا الغياب للحدود يعكس طبيعة الكيان نفسه : مشروع توسعي مفتوح ، لا دولة مكتملة الأركان ، وكما يقول الباحث الإسرائيلي شلومو ساند في كتابه اختراع الشعب اليهودي ، فإن إسرائيل "ليست دولة طبيعية بل مشروع أيديولوجي في حالة دائمة من القلق".

الخاتمة

إن إسرائيل ، في جوهرها ، ليست "الدولة القوية" التي تحاول أن تروّج لها دعايتها ، بل "إسرائيل الكسرة": كيان يعيش على هشاشة القوة ، وعلى وهم الحدود التي يرسمها الجنود ، وعلى استثمار ضعف العرب وقصور وعيهم ، و لكن التاريخ يعلّمنا أن الأوهام لا تدوم ؛ فما بُني على العنف والاغتصاب ، وما افتقر إلى الشرعية ، سينكشف مع الوقت ، و إن استعادة الوعي العربي ليست فقط ضرورة قومية ، بل شرط لكسر هذا الوهم ، وإعادة الكسرة إلى مكانها الطبيعي في نسيج الأمة.

حمى الله الاردن وندعوا ان يستعيد العرب لوعيهم الجمعي .





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :