facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




المواطن الأردني .. بين مطرقة الحياة وسندان الأمل


د. بركات النمر العبادي
17-09-2025 10:48 AM

الحياة اليومية للمواطن الأردني باتت أشبه بمتوالية ضغوط ، تبدأ منذ لحظة مغادرته منزله وحتى عودته إليه محمّلاً بأعباء جديدة ، فاتورة الوقود التي تلتهم جزءاً من الراتب ، الى أقساط المدارس والجامعات التي صارت عبئاً يهدد الطبقة الوسطى ، وفاتورة البقالة والخضروات التي تحولت إلى امتحان يومي في كيفية تدبير النقص وسد الاحتياجات ، وحتى حين يمرض الجسد ، يجد المواطن نفسه أمام عقبة أثمان العلاج والأمراض المزمنة ، حيث خرجت كثير من الأدوية من مظلة التأمين الصحي ، ليُترك المؤمن صحياً في مواجهة عجز النظام ، وأسئلة الحياة والموت.

غير أن الأثقال المعيشية لا تقف هنا ؛ فثمة مشهد أشد قتامة يتمثل في بطالة متفاقمة تغلق الأبواب أمام الشباب ، وتدفع بالكفاءات إلى الهجرة أو الاستسلام للفراغ ، الفقر لم يعد حالة استثنائية ، بل تمدد حتى غطّى جل ساحات الوطن ، فأصبح جزءاً من الحياة اليومية للأسر ، أما الفساد ، فقد تحول إلى جرح عميق ينزف ثقة المواطن بمؤسساته ، ويخلق فجوة آخذة بالاتساع بين المجتمع والدولة.

أما عن الابعاد الفلسفية لهذا المشهد المأساوي ، فإن الفلاسفة والمفكرون ، من "جان جاك روسو" إلى "حنة أرندت" ، تناولوا معنى العقد الاجتماعي وشرعية السلطة القائمة على الوفاء بالتزاماتها تجاه مواطنيها ، وإذا استعرنا من روسو فكرته الجوهرية ، فإن الدولة التي تعجز عن حماية مواطنيها من الفقر والعوز، وتتركهم نهباً للمرض والبطالة ، تفقد جزءاً من شرعيتها الأخلاقية ، أما أرندت ، فقد أكدت أن الفقر حين يصبح معمماً يهدد معنى المشاركة السياسية ذاتها ، إذ يتحول الإنسان من "مواطن فاعل" إلى "فرد يائس" يبحث عن البقاء فقط.

وفي السياق العربي، كتب عبد الرحمن الكواكبي في "طبائع الاستبداد" أن الفساد والظلم إذا اجتمعا ، فهما كفيلان بتحويل المجتمع إلى حالة من الركود واليأس ، حيث ينشغل الناس بمطالب البقاء عن مطالب الحرية ، وهو ما نراه اليوم في الأردن : شعب مثقل بأعباء المعيشة ، ما يحد من انخراطه في المطالبة بحقوقه السياسية والاجتماعية.

وتشير تقارير البنك الدولي (2023) إلى أن نسب البطالة في الأردن من الأعلى إقليمياً ، خصوصاً بين الشباب والنساء ، وهو ما يعمّق الفجوة الاجتماعية ويزيد من هشاشة العقد الاجتماعي ، وفي المقابل ، تذهب دراسات عربية مثل أبحاث "مركز الدراسات الإستراتيجية – الجامعة الأردنية" إلى أن الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة تتآكل كلما شعر الفرد أن البرلمان والحكومة عاجزان عن التصدي لفساد يلتهم الموارد ، أو عن وضع سياسات اقتصادية تراعي الطبقات الفقيرة والمتوسطة.

ورغم كل ذلك، يبقى الأمل جوهر التجربة الأردنية. فالمواطن، وهو يواجه مطرقة الغلاء والبطالة والفقر والمرض والفساد، لا يزال متمسكاً بسندان الأمل ، الأمل هنا ليس شعوراً عاطفياً فحسب ، بل فلسفة مقاومة ، كما قال الفيلسوف إرنست بلوخ في كتابه "مبدأ الأمل": إن الإنسان حين يفقد كل شيء ، يبقى له أن يحلم ، والحلم ليس هروباً ، بل بذرة لتغيير واقعي ممكن.

الأردني اليوم يواصل حياته مدفوعاً بهذه البذرة ، إذ يرى أن الغد يمكن أن يكون أفضل ، وأن السياسات يمكن أن تُعدل ، وأن المؤسسات يمكن أن تُصلح ، لكن المسؤولية لا تقع على المواطن وحده ، بل هي مسؤولية سياسية وأخلاقية تقع على عاتق البرلمان ، الذي يفترض أنه ممثل الشعب وحارس مصالحه ، وعلى الحكومة التي تمسك بزمام القرار ، إن ترك المواطن وحيداً في مواجهة هذا القدر من الأعباء هو خيانة لمفهوم الدولة ذاته ، فلا وطن يبنى بالصبر فقط ، بل يبنى بالعدالة الاجتماعية ، بنزاهة المؤسسات ، وبسياسات تعطي الأولوية للإنسان قبل الأرقام.

إن التجربة الأردنية اليوم تقف أمام سؤال وجودي : هل تستطيع االحكومة أن تعيد الثقة لشعبها ؟ أم أن مطرقة الحياة ستظل تهوي بلا رحمة على سندان الأمل حتى ينكسر؟ الجواب ليس قدراً، بل خيار سياسي ، ومسؤولية تاريخية في عنق من يملكون القرار.

حمى الله الاردن وسدد على طريق الخير خطى قيادته وشعبه .





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :