"التغول الإسرائيلي" .. حرب على الأرض والهوية
فيصل تايه
18-09-2025 11:55 AM
ما يحدث اليوم في غزة يثير الصدمة ، فالمدينة تحت وابل من القصف المكثف والتوغل في العمق في عملية عسكرية برية مستمرة ، وسط مشاهد مأساوية للأطفال وهم يسقطون بين الأبنية المدمرة، والنساء والشيوخ يتركون وحيدين في مواجهة الموت، ففي كل صاروخ يسقط ، وكل قذيفة تطلق ، صرخة لشعب يحاول البقاء حياً وسط آلة حرب متعطشة للدماء ، فيما العالم يراقب دون تحريك ساكن ، والإعلام يتسابق على نقل الصورة الحية اللذبح والقتل والتنكيل لما يحدث على الأرض وسط صمت مريع ، فالمدينة بأكملها تعيش مأساة لا يمكن وصفها بالكلمات، ما يؤكد أن ما يجري ليس مجرد نزاع عسكري، بل مشروع توسعي يسعى لإلغاء الهوية الغزية الفلسطينية والقضاء على مقومات الحياة ، وفرض واقع جديد بالقوة والسيطرة.
ان المشروع الصهيوني ، منذ نشأته، لم يكن يحمل اسم دولة طبيعية تحترم القانون الدولي ، بل تجربة توسعية متجذرة في عقيدة قادته ، عقيدة تقوم على الهيمنة والسيطرة وتوسيع النفوذ العسكري والسياسي والاقتصادي ، متجاهلة المبادئ الإنسانية، ومعادية لأي محاولة للسلام ، معتبرة ان كل فرصة للحوار مجرد غطاء لتثبيت السيطرة والهيمنه ، فالعمليات الأخيرة في غزة ، من اجتياح الأحياء السكنية وقصف المنازل وفرض طوق ناري عليها ، إلى فرض التهجير القسري وتجويع المدنيين، تكشف الوجه الحقيقي للمشروع الإسرائيلي التوسعي ، وتؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الهدف ليس مجرد أمن الدولة، بل إنهاء صمود الشعب الفلسطيني وطمس هويته ، في مشهد من العربدة الإسرائيلية التي لا تكتفي بالقوة العسكرية بل تتجاوز كل القيم الإنسانية ، ويتجلى ذلك في سياسات "نتنياهو" الذي يبدو أنه يتحدى العالم بأسره بتصعيد العدوان رغم الإدانات الدولية.
ما يحدث اليوم في غزة ليس مجرد مواجهة عسكرية أو حرباً عابرة، بل هو مشهد مكثف من سياسات الإجرام الممنهج التي تمارسها إسرائيل بحق شعب أعزل ، فآلة الحرب الإسرائيلية تمارس ابشع صور العدوان ، فالصور القادمة من المستشفيات والملاجئ تكشف حجم المأساة، وتثبت ان السياسة الإسرائيلية تجاه المدنيين تتجاوز الاستهتار لتصل إلى ارهاب ممنهج، يهدد حياة الجميع دون تمييز ، بل ويمسح مربعات سكنيه باكملها ليرغم الناس الى النزوح والرحيل ، وهو ما اكدته لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة التي رأت في بعض هذه الممارسات "إبادة جماعية" وحملت كبار المسؤولين الإسرائيليين المسؤولية المباشرة .
ان التغول الإسرائيلي الاخير وتعميق العمليات العسكرية البرية لم تعد تكتفي بالتبريرات الواهية حول "الأمن" او "الدفاع عن النفس"، او من اجل اطلاق سراح المحتجزين ، بل انها لم تعد تكترث ، وتعرض حياتهم للخطر ضمن العمليات العسكرية ، في مؤشر واضح انها تروج على انهم يستخدمون كدروع بشرية ، بينما في الواقع أن الهدف الأساسي هو تحويل العدوان الى مشروع متكامل يرمي الى كسر ارادة الشعب الفلسطيني، وإخضاعه للجوع والخوف والحصار المستمر ، فكلما ارتفعت الأصوات الدولية مطالبة بالتهدئة، قابلتها اسرائيل بالمزيد من التصعيد والاستهتار، وكأنها في معركة لإثبات قدرتها على الإفلات من المحاسبة.
اليوم ، وفي ظل هذا الواقع، يغدو الصمت الدولي شريكاً في الجريمة، بل ان ازدواجية المعايير في المواقف الغربية تكشف بوضوح كيف يسمح لإسرائيل بما يدان غيرها عند فعله ، فغزة اليوم تعيش كارثة انسانية بكل المقاييس، حيث يفتقد اهلها الماء والدواء والكهرباء، ويواجهون آلة حرب لا تفرق بين طفل وامرأة ومسن.
إن استمرار هذه السياسة الإجرامية دون اكتراث بالعالم، ودون محاسبة، لا يهدد الفلسطينيين وحدهم، بل يقوض منظومة العدالة الدولية برمتها ، فكيف يمكن الحديث عن نظام دولي يحمي الحقوق ويصون الكرامة، بينما يترك شعب بأكمله تحت رحمة البطش والقصف والحصار؟
اللحظات القادمة لحظات حرجة وحاسمة أكثر من أي وقت مضى، فصمود غزة سيكون العامل الحاسم في تحديد مستقبل المرحلة المقبلة ، فهذه اللحظات ليست مجرد اختبار للصمود، بل فرصة لردع العدوان ، بينما سيكتب الصمود صفحة جديدة في تاريخ المواجهة، ويعلن صوت الشعب الحر رفض الانكسار امام شراسة الاحتلال وبطشه وعدوانه وبكل أشكاله ، فالجرح الفلسطيني مفتوح، وغزة اليوم ليست مجرد مدينة تقصف، بل عنوان للهوية التي لا تمحى والصمود الذي لا يُكسر .
والله ولي الصابرين.