زيارة الشيخ تميم للأردن: بين السياسة والاقتصاد وآفاق التعاون المستقبلي
د. بركات النمر العبادي
18-09-2025 04:28 PM
شهدت العاصمة الأردنية عمّان زيارة رسمية هامة قام بها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ، أمير دولة قطر، في سبتمبر 2025، وهي زيارة تأتي في توقيت حساس على المستويين الإقليمي والدولي ، وهذه الزيارة لم تكن مجرد حدث بروتوكولي ، بل حملت في طياتها أبعادًا سياسية واستراتيجية واقتصادية تؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات الأردنية القطرية.
البعد السياسي للزيارة
1.التضامن مع قطر بعد الهجوم الإسرائيلي
جاءت الزيارة عقب استهداف إسرائيلي لمبانٍ في الدوحة ، ما أظهر أهمية تنسيق المواقف العربية وتأكيد الرفض لانتهاك سيادة الدول ، و من المعروف ان الأردن بدوره المحوري في القضية الفلسطينية يشكل بعدا استراتيجيا، و لقد عبّرة هذه الزيارة عن تضامن استراتيجي لكل من الاردن قطر.
2.القضية الفلسطينية والقدس
الأردن يحمل وصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس ، بينما تمتلك قطر حضورًا دبلوماسيًا وإعلاميًا مؤثرًا ، و هذا التقارب قد يخلق منصة عربية أقوى لمواجهة السياسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة.
3.موازنة القوى الإقليمية
الزيارة تعكس أيضًا رغبة في خلق توازن عربي أمام التحالفات المتغيرة في المنطقة، خصوصًا في ظل تصاعد أدوار قوى إقليمية أخرى مثل مصر وتركيا وإيران.
البعد الاقتصادي : أرقام ودلالات
العلاقات الاقتصادية بين الأردن وقطر تشهد نموًا مطّردًا وهو ما يضع الزيارة في إطار عملي يتجاوز السياسة إلى المصالح المشتركة.
التبادل التجاري: بلغ حجم التجارة بين البلدين في عام 2024 نحو 910 مليون ريال قطري (حوالي 250 مليون دولار) ، بزيادة تجاوزت 5% عن 2023. وفي النصف الأول من 2025 وصل حجم التبادل إلى نحو 166 مليون دولار.
الاستثمارات القطرية في الأردن: وصلت إلى حوالي 4.5 مليار دولار موزعة على قطاعات حيوية مثل العقارات ، السياحة ، الصناعة والطاقة.
العمالة الأردنية في قطر: يقدَّر عدد الأردنيين العاملين والمقيمين في قطر بحوالي 75 ألف شخص ، وتجاوزت تحويلاتهم المالية عام 2024 نحو 515 مليون ريال قطري (141.4 مليون دولار) ، ما يعكس دورًا مهمًا لهذه العمالة في دعم الاقتصاد الأردني.
آفاق التعاون المستقبلي
من المتوقع أن تُثمر الزيارة عن توسيع مجالات التعاون في:
1.الطاقة المتجددة: لأردن يمتلك موارد شمسية ورياح واعدة ، وقطر تمتلك التمويل والخبرة الاستثمارية.
2.الأمن الغذائي: مشاريع زراعية مشتركة في وادي الأردن يمكن أن تعزز الاكتفاء الغذائي للطرفين.
3.النقل واللوجستيات : الاستثمار في الموانئ الجافة والمناطق الحرة الأردنية ، بما يعزز موقع الأردن كبوابة للتجارة مع العراق وسوريا.
4.التعليم والصحة: فرص متزايدة لاستيعاب الكفاءات الأردنية في قطر، مع تطوير برامج مشتركة لتبادل الخبرات.
قد تبدو زيارة الشيخ تميم إلى الأردن حدثًا سياسيًا في ظاهرها ، لكنها في جوهرها أشبه برسالة مكتوبة بحبرٍ عربيٍّ قديم ، تقول لنا إن الجغرافيا وحدها لا تصنع المصير، بل الإرادة التي تعيد وصل ما انقطع من جسور الإخوة.
إنها لحظة يتقاطع فيها الوجدان مع المصلحة ؛ فالأردن الباحث عن متنفس اقتصادي يجد في قطر شريكًا يمد يده لا بالمال فحسب ، بل بالثقة ، وقطر التي أصابتها يد العدوان ، تجد في عمّان صدرًا عربيًا يؤكد أن الأمن ليس جدرانًا من إسمنت وحديد ، بل سندًا من المواقف الصادقة.
في مثل هذه الزيارات ، لا يُقاس النجاح بعدد الاتفاقيات الموقعة أو الصور المعلّقة في الصحف ، بل بقدرتها على أن تبعث في الروح العربية أملًا بأننا ، إن شئنا ، قادرون على صياغة مستقبل مختلف ، حيث يكون التضامن أكثر من كلمة ، ويكون الاقتصاد أكثر من أرقام ، وتكون السياسة أكثر من لعبة توازنات.
إنها زيارة تُذكّرنا بأن الشرق العربي ، مهما تعرّض للرياح العاتية ، يظل شجرة ضاربة الجذور، قادرة على أن تُورق من جديد متى ما تلاقت العقول والقلوب على غاية واحدة.
حمى الله الاردن وسددعلى طريق الخير خطى قيادته وشعبه