الدورة 80 للأمم المتحدة: بين الاعتراف بفلسطين ومستقبل الذكاء الاصطناعي
د.علي سليم الحموري
19-09-2025 07:24 PM
تنطلق الدورة الثمانون للجمعية العامة للأمم المتحدة وسط أجواء دولية متوترة وتحولات تكنولوجية سريعة. على جدول الأعمال تبرز قضيتان رئيسيتان تعكسان ملامح المرحلة: الاعتراف بفلسطين ومكانتها داخل الأمم المتحدة، والتحديات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي وحوكمته عالميًا.
منذ عقود تبقى فلسطين بندًا ثابتًا على جدول أعمال الجمعية العامة، حيث ينظر إليها المجتمع الدولي باعتبارها قضية تصفية استعمار وحق تقرير مصير غير مكتمل. لكن الدورة الثمانون تكتسب حساسية مضاعفة في ظل محاولات بعض القوى التأثير على مستوى مشاركة وفد فلسطين، أو تقليص مساحة تحركه الدبلوماسي، وفقًا للوثيقة الرسمية A/80/100 (الأجندة المؤقتة) تضمنت الأجندة عدة بنود تتعلق بفلسطين، وهي:
• البند 34: الحالة في الشرق الأوسط،
• البند 35: قضية فلسطين،
• البند 49: وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)،
• البند 50: الممارسات الإسرائيلية والأنشطة الاستيطانية التي تمس حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني وغيره من السكان العرب في الأراضي المحتلة،
• البند 61: السيادة الدائمة للشعب الفلسطيني في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وللسكان العرب في الجولان السوري المحتل على مواردهم الطبيعية،
• البند 74 (ب): تقديم المساعدة إلى الشعب الفلسطيني.
هذه البنود ليست مجرد عناوين بروتوكولية، بل هي ساحة سنوية لتجديد الموقف الأممي الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني، بما في ذلك حق تقرير المصير، والسيادة على الموارد، وإدانة الاستيطان، وتثبيت دور الأونروا.
ورغم أن الجمعية العامة لطالما صوتت بأغلبية ساحقة لصالح قرارات داعمة لفلسطين، يبقى الفيتو في مجلس الأمن عقبة رئيسية أمام نيل العضوية الكاملة. كما يثير أي تقييد لمشاركة فلسطين في هذه الدورة تساؤلات حول مصداقية الأمم المتحدة وقدرتها على إنصاف الشعوب الواقعة تحت الاحتلال.
وفي المقابل، يطرح الذكاء الاصطناعي لأول مرة كبند مستقل في جدول أعمال الجمعية العامة، تحت عناوين تتعلق بأثر التكنولوجيا على السلم والأمن الدوليين والتنمية ، هذا التطور يعكس إدراكًا متزايدًا أن الذكاء الاصطناعي لم يعد شأنًا تقنيًا فقط، بل قضية عالمية تمس حقوق الإنسان والمستقبل الاقتصادي والسياسي للدول. وتشمل المحاور المطروحة:
• مناقشة السلامة والأمن من خلال مخاطر استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب والأنظمة ذاتية التشغيل.
• الحقوق الرقمية عبر ضمان حماية الخصوصية وحرية التعبير ومنع التمييز الخوارزمي.
• العدالة التنموية في سد الفجوة بين الشمال والجنوب في الوصول للتكنولوجيا والبنية التحتية.
• وأخيرًا الحوكمة الدولية من خلال الدعوة إلى إطار قانوني أو ميثاق دولي يضمن شفافية ومساءلة في تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي.
وقد تسفر المناقشات عن تكليف أممي بإنشاء آلية تفاوضية حكومية دولية لإعداد مبادئ تشغيلية ملزمة، أو لجنة خبراء ترفع توصيات سنوية لمتابعة الأثر العالمي لهذه التقنيات.
وعلى الرغم من اختلاف الموضوعين، إلا أن العدالة تظل الرابط الجامع بينهما ففي القضية الفلسطينية، تعني العدالة الاعتراف بحقوق شعب يسعى لنيل الاستقلال والسيادة الكاملة، وفي الذكاء الاصطناعي تعني العدالة ضمان ألّا تحتكر القوى الكبرى صياغة قواعد اللعبة التكنولوجية، بل تُتاح المشاركة العادلة لكل الدول.
وهكذا تصبح الدورة الثمانون اختبارًا مزدوجًا: سياسيًا من خلال تعزيز حضور فلسطين وحماية حقوقها، وتكنولوجيًا من خلال إرساء حوكمة عادلة للذكاء الاصطناعي تحمي السلم والأمن وحقوق الإنسان، إن الإجابة عن هذين التحديين ستحدد إلى أي مدى لا تزال الأمم المتحدة قادرة على أداء دورها كمنبر جامع للعدالة الدولية في عصر تتقاطع فيه قضايا الاحتلال مع قضايا التكنولوجيا المتقدمة.
*المحامي الدكتور علي سليم الحموري
أستاذ القانون الدولي العام