الرأي الآخر والنقد البنّاء: جوهر الإصلاح الحقيقي
م. وائل سامي السماعين
20-09-2025 07:47 PM
انطلقت في عمّان أعمال ملتقى مستقبل الإعلام والاتصال – نسخته الثالثة، حيث اجتمع خبراء وإعلاميون وأكاديميون لمناقشة تحولات المشهد الإعلامي ودور الكلمة المسؤولة في خدمة المجتمع وتعزيز مسارات الإصلاح. وفي خضم هذا الحدث المهم، يبرز سؤال جوهري: كيف يمكن للرأي الآخر والنقد البنّاء أن يتحولا من مصدر إرباك إلى دعامة أساسية في نهضة المجتمعات؟
الإصلاح لا يُصنع بقرارات فوقية ولا ينجح بخطابات متكررة، بل يبدأ بالاعتراف بوجود خلل، ثم بفتح المجال أمام من يملك الشجاعة ليدلّ عليه ويقترح سُبل معالجته. فالمجتمعات التي تُقصي الرأي الآخر وتقمع المخالف إنما تُهيئ نفسها لانفجار داخلي أو عجز إداري. فلا نهضة بلا نقاش، ولا تقدم بلا معارضة واعية، ولا إصلاح بلا رأي ثانٍ يراقب ويحاسب.
المجتمع الذي يحتكر الحقيقة في اتجاه واحد يخسر التنوع، ويُقصي الإبداع، ويُعطّل العقل الجماعي. فالرأي الآخر لا يعني العداء، بل يعني التكامل. أما النقد البنّاء فهو أداة من أدوات النهضة؛ كاشف لمناطق الخلل، لا بقصد التشهير، بل بغرض الإضاءة والتصويب. قد يكون النقد مؤلمًا، لكنه – متى كان صادقًا ومسؤولًا – أكثر فائدة من المديح الزائف.
في هذا السياق، يبرز الإعلام كركيزة أساسية. فالإعلام الحقيقي ليس مجرد ناقل للأحداث، بل منبر للرأي الآخر، وحارس لثقافة النقد البنّاء، بعيدًا عن الإثارة والتهويل. الإعلام الواعي يفرّق بين النقد المسؤول والتحريض، ويحوّل النقاش إلى فرصة للبناء، لا إلى معركة للتجريح.
الفرق بين النقد البنّاء والتحريض فارق مفصلي:
الرأي الآخر يصحّح ولا يُقصي.
النقد البنّاء يُصلح ولا يفضح.
بينما الشتائم والتخوين لا تخلّف إلا الكراهية والانقسام.
فحين يُقال: "نتائج التعليم هذا العام مقلقة، ونحتاج إلى مراجعة المناهج بالشراكة مع المعلمين والطلاب." فهذا نقد بنّاء هدفه الإصلاح.
أما حين يُقال: "الوزارة فاشلة، وكل القائمين عليها لا يستحقون مواقعهم!" فهذا تشويه واغتيال معنوي.
وحتى تتحول هذه المبادئ إلى ممارسة فعلية، لا بد من أدوات عملية، مثل:
1-إنشاء مجالس استماع مستقلة داخل المؤسسات.
2-إلزام الوزارات والهيئات بنشر تقارير دورية عن أدائها بشفافية.
3-إشراك المجتمع المدني في مراجعة الخطط والمشاريع الكبرى.
الرأي الآخر والنقد البنّاء ليسا تهديدًا، بل ضمانة لاستمرار الإصلاح. المجتمعات الناضجة لا تخشى الصوت المختلف، بل تحتضنه وتحوّله إلى شريك في البناء لا خصم في الصراع. ولعل أبرز رسائل ملتقى مستقبل الإعلام والاتصال أن الإعلام الحر والمسؤول هو الجسر الذي يُمكّن الرأي الآخر من الوصول إلى فضاء الإصلاح.
المهندس وائل سامي السماعين