الإقصاء الشخصي وقتل الكفاءات… الوطن يدفع الثمن
م. بسام ابو النصر
21-09-2025 03:00 PM
الأحزاب ليست مجرد هياكل تنظيمية، بل هي رافعات وطنية، وأدوات لتفجير الطاقات الكامنة، ومنابر لتفعيل رؤى جلالة الملك في تمكين الشباب واستثمار المؤهلات التي يمكن أن تدفع بعجلة الوطن إلى الأمام. حين تأتي القيادات عبر انتخابات نزيهة وشفافة، فإنها تعكس إرادة حقيقية، وتترجم روح المشاركة، وتفتح المجال أمام الشباب والطاقات الخلّاقة لتأخذ دورها في بناء مستقبل أكثر إشراقًا للأردن.
إلى متى سنبقى ندور في الحلقة المفرغة ذاتها؟! أحزاب تُقام، وأخرى تُحل، وقيادات تصعد وأخرى تُقصى، لكن السؤال الجوهري: هل فعلاً نضع الرجل المناسب في المكان المناسب، أم أننا ما زلنا أسرى الأهواء والمصالح الضيقة؟
لقد رأينا كيف استطاعت بعض الأحزاب أن تبرهن على جديتها؛ انتخابات نزيهة أوصلت من يستحقون، قيادات شبابية ومؤهلات صادقة، فعلت العمل الحزبي، واستجابت لرؤى جلالة الملك بتمكين الطاقات الوطنية واستثمارها في خدمة الأردن. هؤلاء أثبتوا أن الولاء للوطن لا يُقاس بالشعارات، بل بالعمل والتطوع والإيمان بأن الأردن يستحق أن يكون في القلب والعقل معًا.
لكن في المقابل، هناك أحزاب وقيادات اختارت الطريق الأسهل: التآمر، الإقصاء، واغتيال الكفاءات لمجرد أنها شكّلت تهديدًا لمواقعهم. والسؤال الذي يجلجل في الضمائر ، كم قائدًا ميدانيًا، وسياسيًا، وإداريًا يجب أن يشعر بالخجل بعد أن أطاح بمنافسيه، أو بمن ظن أنهم ضده في جلسة انتخاب أو اجتماع سياسي أو حتى عائلي، وكم من نقد موضوعي وبنّاء صُوّر كخيانة أو تمرد لمجرد أنه وُجّه إلى قائد ديكتاتور أو مسؤول متسلط؟
هنا المأساة تأتي لأننا لا نزال نسمح لثقافة الشخصنة أن تتغلب على ثقافة الوطن. نسمح للخصومة أن تسبق الكفاءة، وللمصالح الضيقة أن تعلو على المصلحة الوطنية. والنتيجة؟ إقصاء للعقول الخلاقة، وتهميش للطاقات الحقيقية، وهدر لمستقبل الأجيال.
والعالم من حولنا يضرب الأمثلة التي لا تُنسى: باراك أوباما لم يصل إلى البيت الأبيض صدفة، بل لأن حزبه قرر أن يفتح الطريق أمام كفاءة صاعدة بعد خطاب مؤثر في شيكاغو، فآمن به قادة الحزب حتى صار رئيسًا لثماني سنوات. وفي الكيان المحتل ، وما صدر غولدا مائير حين رأت إيهود باراك ضابطًا واعدًا لتطلق كلمتها الشهيرة : "إن لم يصبح هذا الرجل رئيسًا للوزراء فسأشعر بالخجل." وقد تحقق ما قالت.
أما نحن، فكم من قادة وطنيين حقيقيين أُزيحوا بدوافع شخصية واجتماعية وسياسية واهية؟ وكم خسر الوطن بإبعادهم؟ وكم مرة ضاعت علينا فرصة أن نصنع قادتنا الحقيقيين لأننا رضخنا للأنانية والديكتاتورية الصغيرة؟
لقد آن الأوان لنقولها بصوت عالٍ، الوطن ليس مزرعة شخصية، ولا ملكًا لفئة أو حزب و الوطن أكبر من كل الحسابات، وأقدس من أن يُختزل في مصالح آنية. إذا لم نؤمن بمبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب، وإذا لم نكسر حلقة الإقصاء والتهميش، فإننا سنبقى نجرّ الوطن إلى ما لا يُحمد عقباه.
فلتكن الكلمة الأخيرة: الأردن يستحق الأفضل… والأفضل لا يُصنع إلا بالقيادات الخلاقة التي تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.