facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




دائرة الإحصاءات العامة .. ذاكرة الوطن وعين المستقبل


فيصل تايه
24-09-2025 10:19 AM

في عالم تتسارع فيه المتغيرات وتتعقد فيه التحديات، تصبح المعلومة الدقيقة هي السلاح الأقوى، والرقم الصادق هو البوصلة التي تحدد الاتجاه ، ففي قلب الدولة الأردنية، تقف دائرة الإحصاءات العامة شامخة كحارس للحقائق ومرجع للبيانات، لا تترك للصدفة مكاناً ، ولا تفسح للمبالغات مجالاً ، بل تعيد صياغة الواقع بالأرقام لتضعه أمام صانع القرار والمجتمع على حد سواء .

هذه المؤسسة الوطنية الأردنية العريقة ، والتي أبصرت النور عام "١٩٤٩" مع بدايات استقلال المملكة الأردنية الهاشمية ، حملت منذ أكثر من خمسة وسبعين عاماً على عاتقها مسؤولية توثيق مسيرة الدولة والمجتمع ، فمنذ التعدادات الأولى للسكان والزراعة والاقتصاد، وحتى أحدث المؤشرات الرقمية المرتبطة بالتنمية والعمالة والتجارة، ظلت دائرة الإحصاءات العامة حجر الزاوية في رسم السياسات وتوجيه القرارات ، وها هي اليوم ، تستعد لدخول مرحلة جديدة في ظل الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي ، لتثبت أنها لم تكتف بدور الناقل للمعلومة، بل غدت صانعة للتغيير ورافعة للتنمية.

زيارة وفد ملتقى "النخبة – elite" إلى مبنى الدائرة ولقاء عطوفة مديرها العام الدكتور حيدر فريحات، بمشاركة مساعديه الدكتور علي الشبلي "للشؤون العملياتية" والدكتور صالح الحباشنة "للشؤون الإدارية والمالية" ، كشفت بوضوح حجم الجهود التي تبذل خلف الكواليس ، اذ تم تقديم رؤية عميقة لطبيعة عمل الدائرة ورسالتها الوطنية ، فكان اللقاء بمثابة رحلة في عالم الأرقام، حيث تم عرض إيجاز موسع عن مهام الدائرة الحيوية، بدءا من التعدادات السكانية والاقتصادية والزراعية، مرورا بالمسوح الميدانية والدراسات الاجتماعية، وصولا إلى أحدث الخطط التي تستهدف بناء مركز وطني للبيانات التفاعلية قائم على الذكاء الاصطناعي.

إنجازات الدائرة تروي قصة نجاح متراكمة ، فقد نفذت التعدادات الوطنية بشكل دوري منذ ستينات القرن الماضي ، وأسست قواعد بيانات اقتصادية واجتماعية جعلت الأردن من أوائل الدول العربية في هذا المجال ، اذ انها وفي السنوات الأخيرة، حققت قفزات نوعية عبر إدخال التكنولوجيا الحديثة في التعدادات مثل تعداد سنة "٢٠١٥"، وإطلاق الاستراتيجية الوطنية للإحصاء (٢٠٢٤-٢٠٢٨) ، التي تعد خارطة طريق طموحة لتطوير الأداء الإحصائي ورفع كفاءة الكوادر وتعزيز الشفافية في التعامل مع البيانات ، كما ووضعت خطة عمل لعام "٢٠٢٥" لإجراء خمسة مسوحات وطنية بميزانية بلغت ٣,٧ مليون دينار ، لتغطي قطاعات أساسية كالعمالة والدخل والإنفاق والأمن الغذائي.

ولم يقتصر دورها على داخل الاردن ، فقد ساهم خبراؤها في دعم مؤسسات إحصائية بدول مجاورة وخليجية، ما جعل الأردن مصدراً للخبرة ومركزا لبناء القدرات الإحصائية ، كما كانت الدائرة في مقدمة المؤسسات التي التزمت بمعايير السرية المطلقة في حماية البيانات، فلم يسجل طوال تاريخها تسريب لمعلومة تخص فرداً أو مؤسسة، وهو ما عزز ثقة المجتمع بها، ورسخ قناعة بأن بياناتها لا تستخدم إلا للصالح العام وبعيداً عن أي أهداف ضريبية أو سياسية ضيقة.

ان الأرقام التي تصدر عن دائرة الإحصاءات العامة ليست مجرد جداول صماء ، بل هي انعكاس لحياة الناس ، فمن حجم الأموال المتداولة في السوق والتي تصل إلى نحو "٣٧" مليار دولار، إلى معدلات البطالة والدخل، إلى طبيعة القطاعات المنتجة ونِسب الأرباح، وصولاً إلى قضايا العمالة الوافدة، والزراعة، والتعليم، والتجارة الداخلية والخارجية ، كل هذه الأرقام، التي تجمع وتدقق وفق أرقى المعايير الدولية، تتحول إلى لغة مشتركة بين المواطن والمستثمر وصانع القرار ، وتشكل القاعدة التي تبنى عليها الاستراتيجيات الاقتصادية والاجتماعية.

اليوم ، وفي الوقت الذي يزداد فيه انتشار المعلومات المغلوطة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، تتضاعف أهمية دور الدائرة في تصحيح الصورة، وإبراز البيانات الحقيقية التي تفند الأوهام وتعزز الثقة ، وهنا يبرز التحدي الأكبر ، اذ كيف يمكن للمعلومة الدقيقة أن تتفوق على سرعة الشائعة؟ وكيف يمكن للدائرة أن توصل رسالتها لكل مواطن بطريقة سهلة وشفافة؟ ، الإجابة تكمن في خططها المستقبلية التي تستند إلى التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي ، عبر المركز الوطني للبيانات التفاعلية الذي سيتيح الوصول إلى المعلومة "بضغطة زر" ، ليكون المرجع الأول والوحيد لكل من يبحث عن بيانات دقيقة وموثوقة.

إن دائرة الإحصاءات العامة اليوم ليست مجرد مؤسسة تقرأ الماضي ، بل هي أداة لرسم المستقبل ، فبفضل بياناتها يمكن تحديد أنسب المواقع لإنشاء المدارس والمستشفيات والمصانع ، وتقدير احتياجات الزراعة والصناعة والتجارة، وتخطيط مخرجات التعليم بما يتوافق مع سوق العمل ، فهي عين الدولة التي ترى أدق التفاصيل ، وعقلها الذي يزن القرارات بالأرقام ، وذاكرتها التي تحفظ مسيرة الوطن عبر العقود.

انها اليوم ، وبين قيادة عطوفة الدكتور حيدر فريحات، ورؤية مساعديه، وجهود مئات الموظفين المخلصين، تواصل الدائرة رسالتها بصمت يترجم إلى إنجازات ملموسة ، فهي المؤسسة التي تثبت أن التنمية الحقيقية تبدأ برقم صادق ، وان الأوطان لا تبنى على الانطباعات والشعارات، بل على حقائق ترسم بدقة وتقرأ بوعي.

في النهاية، يبقى السؤال : هل سندرك جميعا قيمة هذه الأرقام ، ونحسن توظيفها لبناء وطن أقوى وأكثر ازدهارا؟ أم سنتركها حبيسة التقارير والنشرات؟ الإجابة بيدنا نحن، لكن فمن المؤكد أن دائرة الإحصاءات العامة قد أدت رسالتها بأمانة ، وقدمت للأردن ما يجعله واثق الخطى في مسيرة التنمية، مؤمناً بأن المعرفة والإحصاء هما الطريق إلى المستقبل.

والله ولي التوفيق





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :